الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
فيه أربعة فصول: الأول: في أقسامه، والثاني: في أجزائه، والثالث: فيما ينفصل عنه، والرابع: فيما يلابسة. الأول: وفي الجواهر: الحي كله طاهر عملا بالأصل، ولأن الحياة علة الطهارة عملا بالدوران في الأنعام، فإنها حال حياتها حية ظاهرة، وحال موتها ليست حية، ولا طاهرة، والدوران دليل عليه المدار الدائر، فيلحق به محل النزاع كالكلب، والخنزير، ونحوهما. فإن قيل: الأنعام المذكاة طاهرة، فبطل الدوران. قلنا: علل الشرع تخلف بعضها، والذكاة علة مطهرة إجماعا. الثاني: قال: الميتة حتف أنفها كلها نجسة لاشتمالها على الفضلات المستقذرة إلا ميتة البحر لقوله عليه السلام في الموطأ: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. والحل دليل الطهارة. الثالث: قال: ميتة ما ليست له نفس سائلة طاهرة لعدم الدم منه الذي هو علة الاستقذار لقوله عليه السلام في البخاري إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله، ثم ليطرحه. ولو كان ينجس بالموت مع أن الغالب موته لكان عليه السلام أمر بإفساد الطعام، وقال أشهب، والشافعي رحمهما الله: ينجس، لأن الموت عندهما علة التنجيس دون احتقان الدم لقلته، ووافقناهم على أن الأنعام إذا قطعت من أوساطها، وخرجت دماؤها أنها نجست بالموت مع انتفاء الدم، فإذا استدللنا نحن بالذكاة احتجوا بهذه الصورة وجوابنا عنه أن الشرع لم يسلطنا على الحيوان إلا بشرط انتفاعنا به، وأن نسلك أقرب الطرق في ذلك، وأقرب الطرق هو الذكاة في الموضع المخصوص، فمن عدل عنه لم يرتب الشرع على فعله أثرا، فسوى بين هذه الصورة، وبين التي احتقنت فيها الفضلات زجرا له. فرعان: الأول: للمازري في شرح التلقين ألحق ابن القصار البرغوث بما له نفس سائلة لوجود الدم فيه، وألحقه سحنون بما لا نفس له، وألحق أبو حنيفة البعوض بالجراد مع وجود الدم فيه، ومنشأ الخلاف النظر إلى أصالة الدم، أو طروه. الثاني: من الطراز: إذا مات البرغوث، أو القملة في الطعام ألحقه ابن القصار بما له نفس، وخالفه سحنون، وابن عبد البر، هذا إذا لم يكن فيهما دم، فإن كان وافق ابن عبد البر ابن القصار في التنجيس، وأكثر أصحابنا يقولون لا يؤكل طعام مات فيه أحدهما لأن عيشهما من دم الحيوان، ومنهم من قضى بنجاسة القملة لكونها من الإنسان تخلق بخلاف البرغوث، فإنه من التراب، ولأنه وثاب، فيعسر الاحتراز منه. كشف: للنفس ثلاثة معان: يقال لذات الشيء نحو جاء زيد نفسه، وللروح كقوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها). وللدم كقول ابن دريد: خير النفوس السائلات جهرة على ظباة المرهفات، والقنا. ومنه سميت النفساء لخروج الدم منها. فقول العلماء: ما ليست له نفس سائلة احتراز من الأولين، وإلا فكل دم يسيل، فلا معنى للتقييد حينئذ. الرابع: الآدمي إذا مات طاهر على أحد القولين لأن الأمر بغسله، وإكرامه يأبى تنجيسه إذ لا معنى لغسل الميتة التي هي بمنزلة العذرة، ولما في الموطأ أنه عليه السلام صلى على سهل بن بيضاء في المسجد، ولو كان نجسا ما فعل عليه السلام ذلك. الخامس: الكلب. في الجواهر: أطلق سحنون، وعبد الملك عليه التنجيس، وكذلك الخنزير إما لنجاسة عينهما، وإما لملابستهما النجاسة، فيرجع إلى نجاسة السؤر، وقد قال عليه السلام في الموطأ: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعا. ومن هذا الحديث تتخرج فروع المذهب، فنذكرها في أثناء فقهه، والكلام على ألفاظه، فنقول: قوله إذا ولغ هل يختص بالماء علا بالغالب، أو يعم الماء، والطعام لحصول السبب في الجميع قولان. وقوله: الكلب هل يختص بالمنهي عن اتخاذه، فتكون اللام للعهد، أو يعم الكلاب لعموم السبب قولان. وإذا قلنا بالعموم، فولغ في الإناء جماعة كلاب، أو كلب مرارا هل تتداخل مسببات الأسباب كالأحداث، أو يغسل لكل كلب سبعا، وللكلب كذلك قولان. وقوله: فليغسله هل يحمل على الندب، أو الوجوب قولان إما لأن الأمر للوجوب لكن هاهنا قرائن صرفته عنه، وإما للخلاف في صيغة الأمر، وهل هذا الأمر تعبد لتقييده بالعدد كغسل الميت، ودلالة الدليل على طهارة الحيوان كما تقدم، أو هو معلل بدفع مفسدة الكلب عن بني آدم لأن الكلب في أول مباشرة الماء يعلق لعابه بالإناء، وهو سم، ويؤكد ذلك أمره عليه السلام في بعض الطرق باستعمال التراب لزوال اللزوجة الحاملة للسم، وأما عدد لسبع، فمناسب بخصوصية لدفع السموم، والأسقام قال عليه السلام في مرضه: أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل، أوكيتهن. وقال عليه السلام: من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم، ولا سحر. ولذلك أمر بالرقي سبعا في قوله: أعوذ بعزة الله، وعظمته، وقدرته من شر ما نجد. وإذا جاء أمر الله سلام من الله، والحمد لله. أو هو معلل بنجاسته لقوله عليه السلام: طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا. والطهارة ظاهرة في النجاسة. ويخرج على هذا هل يغسل بالماء الذي في الإناء لطهارته، أو لا يغسل لنجاسته قولان، وهل يؤكل الطعام، أو يطرح قولان، وهل يمتنع القياس على الكلب لأنه تعبد، أو يلحق به الخنزير بجامع الاستقذار قولان، وهل هذا الأمر على الفور لأنه تعبد، والعبادات لا تؤخر، أو لا يتعيين غسله إلا عند إرادته استعماله بناء على نجاسته قولان، واختار عبد الحق، وسند التأخير. فروع أربعة: من الطراز. الأول: الأمر بالغسل مختص بالإناء، فلو ولغ من حوض، أو نهر لا يتعدى الحكم إليه لأنه تعبد. الثاني: الحكم مختص بولوغه، فلو أدخل يده، أو رجله، فلا أثر لذلك خلافا ش. الثالث: إذا استعمل الإناء في الماء القليل قبل غسله هل يعتد به، أو يغسل سبعا بعد ذلك يتخرج على اشتراط النية في غسله قال الباجي: لا تشترط، ويحتمل أن تشترط قياسا على اشتراطها في النضح، ويحتمل الفرق، فإن الغسل مما يزيل اللعاب، والنضح لا يزيل شيئا، فكان تعبدا بخلاف إناء الكلب. الرابع: هل يشترط الدلك قياسا على الوضوء لجامع التعبد به، أو لا يشترط، ويكفي إمرار الماء عليه ليس في ذلك نص، ويحتمل ألا يشترط لأن غسله خرج عن المتعارف، وإمرار الماء قد يسمى غسلا، وقد قدمت المشهور عن مالك - رحمه الله - في حكاية الخلاف على العادة في الكتاب. تحقيق: قال في الكتاب: وقد كان يضعفه، وقال: قد جاء هذا الحديث، وما أدري ما حقيقته. من التنبيهات: قيل يضعف العمل به تقديما للكتاب، والقياس عليه لأن الله تعالى أباح أكل ما أمسك الكلاب عليه، ولم يشترط غسلا، والقياس على سائر الحيوان، وقيل يضعف العدد، وقيل إيجابه للغسل، وهو معنى قوله: وما أدرى ما حقيقته أي ما المراد به من الحكم. ويقال: ولغ يلغ بالفتح فيهما. من الطراز: يضعف علة الحكم حتى يقاس عليه الخنزير. وقد تقدم حكم لحمه. في الجواهر: والعظم، والقرن، والظلف، والسن كاللحم لحلول الحياة فيها، وانحصار فضلاتها فيها بعد الموت، فتكون نجسة، وقال ابن وهب: لا تنجس بالموت لقلة فضلاتها بخلاف اللحم، وهل تلحق أطراف القرون، والأظلاف بأصولها، أو بالشعور لعدم حلول الحياة فيها، قولان. والأصواف، والأوبار، والشعور طاهرة، قاله في الكتاب، ووافقه أبو حنيفة، وتردد قول الشافعي. حجتنا أنها طاهرة قبل الموت، فتكون طاهرة بعده عملا بالاستصحاب، واستحسن في الكتاب غسلها لأن الجلد قد يعرق بعد الموت قال صاحب الطراز: قال ابن المواز: ما نتف منها، فهو غير طاهر لما يتعلق به من أجزاء الميتة، وفي شعر الخنزير خلاف، فمذهب ابن القاسم أنه كشعور الميتة، ومذهب أصبغ أنه كالميتة، وناب الفيل نجس لتعذر ذكاة الفيل غالبا، فيكون كعظام الميتة، وقيل طاهر لشبهه بالقرن، والأظلاف، وقال مطرف: إن صلق، فهو طاهر كالمدبوغ من الجلود الميتة، وإلا فلا، وشعر الريش كالصوف، وعظمه إن حل فيه الدم كالعظم، وإن لم يحل فيه الدم فعلى القولين في طرف القرن، والظلف. والجلد بخلاف اللحم في تطهير الذكاة له في السباع إما بناء على القول بالكراهة، وإما لأن الدباغ يعمل في جلد الميتة دون لحمها، فكان أخف. وكل شيء أبين عن حي مما تحله الحياة، فهو ميت لأنه عليه السلام قدم المدينة، وهم يحتذون أسنمة الإبل، وأليات الغنم، فقال: ما أبين عن الحي، فهو ميت. وفي الجواهر: ما ليس له مقر كالدمع، والعرق، فطاهر لما في البخاري أنه عليه السلام استقبلهم على فرس عري، وفي الدارقطني أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال عليه السلام: نعم، وبما أفضلت السباع، ولأن الحياة علة الطهارة، فتكون أجزاء الحي طاهرة إلا ما أخرجه الدليل. والمسك، وفأرته طاهران لأنه عليه السلام كان يتطيب به. والدم المسفوح نجس إجماعا، وغير المسفوح طاهر على الأصح لقوله تعالى: (أو دما مسفوحا).فمفهومه أن ما ليس بمسفوح مباح الأكل، فيكون طاهرا. والأعيان النجسة كالبول، والدم، ونحوهما لا يقضي عليها بنجاسة في باطن الحيوان لصحة صلاة حامل الحيوان الحي كما وردت السنة صلى بصبي، ولو حمل الإنسان عصفورا، وصلى به لم أعلم في صحة صلاته خلافا. والدماء كلها سواء حتى دم الحيتان طردا للعلة، وخصصه الشيخ أبو الحسن لعدم اشتراطه ذكاته. ولمالك في دم الذباب، والقراد قولان كما سبق. وعفا مالك - رحمه الله - مرة عن يسير القيح، والصديد كيسير الدم، وألحقه مرة بالبول لمزيد استقذاره على الدم. وفي الطراز: القيء، والقلس طاهران إن خرجا على هيئة طعام. والمعدة عندنا طاهرة لعلة الحياة، والبلغم، والصفراء، ومرائر ما يؤكل لحمه. والدم، والسوداء نجسان، فإذا خالط القيء، أو القلس أحدهما، أو عذرة تنقلب إلى جهة المعدة تنجس. والبول، والعذرة نجسان من بني آدم، وقيل إلا ممن لم يأكل الطعام لما في الموطأ أن أم قيس أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إليه عليه السلام، فأجلسه في حجره، فبال على ثوبه، فدعا عليه السلام بماء، فنضحه، ولم يغسله، وقيل ذلك في الذكر دون الأنثى لأنه تميل النفوس إليه، فيحمل بخلافها، والمشهور الأول لأن غذاء الجنين من دم الحيض، وهو نجس إجماعا، وأما الحديث، فالنضح فيه محمول على إتباعه بالماء، وهو طري، فذهبت أجزاء الماء بأجزاء النجاسة، وهو المقصود من التطهير. من التبصرة: ولا خلاف في نجاسة ثفلهما، وإن لم يأكلا. في الجواهر: وهما طاهران من كل حيوان مباح الأكل مكروهان من المكروه نجسان من المحرم لما في مسلم: قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوم من عكل، أو عرنة، فاجتووا المدينة، فأمر لهم عليه السلام بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها، وألبانها. الحديث مع قوله عليه السلام: إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها. والمراد بالجعل المشروعية، فدل ذلك على طهارتها، وإلا لما أمرهم بذلك، ولأن غذاء المباح طاهر، وأمعاءه طاهرة، وإلا لما كانت مباحة. وتغير الطاهر في الطاهر لا ينجسه كالمتغير في الآنية، وأما المحرم، فتختلط رطوبات الأمعاء، وهي محرمة نجسة، فينجس الطعام، وقد ظهر بذلك المكروه، وقيل هما نجسان من الجميع طردا لعلة الاستقذار، وفرق للمشهور بأن الاستقذار في البول، والعذرة أتم منه في مأكول اللحم، والقاصر عن محل الإجماع لا يلحق به، فلا ينجس أرواث المأكول، وهو المطلوب. والمذي، وكل رطوبة، أو بلل يخرج من السبيلين، فهو نجس، ومنه المني خلافا ش إما لأن أصله دم، أو لمروره في مجرى البول، ويتخرج على ذلك طهارة مني ما بوله طاهر من الحيوان، وقد ورد على الأول: أن الفضلات في باطن الحيوان لا يقضى عليها بالنجاسة كما تقدم، وليس أصله نجسا، فينبغي أن يقال علة التنجيس الاستقذار بشرط الانفصال، وقد حصلت العلة بشرطها، فيتعين التنجيس لأنا نتكلم بعد الانفصال. ويحقق ذلك ما في مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه، ومنه أن رجلا نزل ضيفا بعائشة رضي الله عنها، فأصبح يغسل ثوبه، فقالت له إنما كان يجزيك إن رأيته أن تغسل مكانه، وإن لم تر نضحت حوله لقد رأيتني أفركه من ثوبه عليه السلام، فركا، فيصلي. والألبان طاهرة من مأكول اللحم، وكذلك لبن بنات آدم لأن تحريمهن لحرمتهن، ولأن الرضاع جائز، وبعد انقضاء زمن الضرورة إليه، فلو لم يكن مباحا لمنع. ولبن الخنزير نجس، وما عدا ذلك، فمختلف فيه، فقيل: طاهر قياسا على لبن بنات آدم، ولبعد الاستحالة وضعف الاستقذار، وقيل: تابعة للحوم لأنها فضلاتها، وقيل مكروهة من المحرم الأكل. والبيض طاهر مطلقا لأنه من الطير، وهو طاهر. الأول: في الجواهر: ما غذاؤه النجاسة، أو غالب غذائه، فروثه نجس لكون المنفصل أجزاء المتناول، وقيل: طاهر لبعد الاستحالة. الثاني: قال: الأعراق طاهرة، وإن كان صاحبها يتناول النجاسة، وكذلك البيض، واللبن لبعد الاستحالة، وقيل نجسة نظرا للتولد. الثالث: قال: رماد الميتة، والمتحجر في أواني الخمر نجس لأنه جزء النجاسة، وقيل طاهر للاستحالة. الرابع: قال: الحيوان الذي شأنه أكل النجاسة الملازم لنا كالهر، والفأرة يقضي بطهارته حتى تتعين نجاسته، وغير الملازم كالطير إن تعينت نجاسته قضي بها، فإن لم تتعين، فمكروه في الماء ليسارته، ويؤكل الطعام لحرمته، وقيل: ينجس عملا بالغالب، وقيل: طاهر عملا بالأصل. الخامس: مرتب على الرابع، من التبصرة: إن توضأ بهذا الماء، وصلى قال في المدونة: يعيد في الوقت مراعاة للخلاف، وإن كان قد أمره بالتيمم مع وجوده لنجاسته. السادس: في الجواهر: سؤر أهل الذمة، وشاربي الخمر كسؤر الجلالة، ولا يصلي بثيابهم حتى تغسل، وثوب غير المصلي كذلك إلا ما كان على رأسه، ويصلي في ثياب المصلين إلا في الوسط الذي يقابل الفرج من غير حائل لقلة معرفة الاستبراء في الناس من غير العلماء. السابع: من التبصرة: إذا طبخ اللحم بماء نجس قال مالك: يغسل، ويؤكل، وقال أيضا: لا يؤكل، وهو أحسن لقبول أجزاء اللحم النجاسة، وكذلك الزيتون يطرح في ماء نجس، والبيض يطبخ فيه، أو يوجد بعضه، فاسدا نجسا، وقد طبخ مع غيره قولان. الثامن: منها أيضا: أجرى مالك - رحمه الله - الماء النجس مجرى الميتة لا يسقى لبهيمة، ولا نبات، وقال أيضا: يجوز، وقال ابن مصعب: لا يسقى ما يؤكل لحمه بخلاف الزرع، والنخل فعلى القول الأول لا يؤكل الحيوان، أو النبات الذي شربه حتى تطول مدته، وتتغير أعراضه، وفي المدونة: لا بأس أن يعلف النحل العسل النجس، وفي الترمذي أنه عليه السلام نهى عن أكل لحوم الجلالة، وألبانها. قاعدة: تبين ما تقدم، وهي أن الله تعالى إنما حكم بالنجاسة في أجسام مخصوصة بشرط أن تكون موصوفة بأعراض مخصوصة مستقذرة، وإلا فالأجسام كلها متماثلة، واختلافها إنما وقع بالأعراض، فإذا ذهبت تلك الأعراض ذهابا كليا ارتفع الحكم بالنجاسة إجماعا كالدم يصير منيا، ثم آدميا، وإن انتقلت تلك الأعراض إلى ما هو أشد استقذارا منها ثبت الحكم فيها بطريق الأولى كالدم يصير قيحا، أو دم حيض، أو ميتة. وإن انتقلت إلى أعراض أخف منها في الاستقذار، فهل يقال هذه الصورة قاصرة عن محل الإجماع في العلة، فيقصر عنها في الحكم، أو يلاحظ أصل العلة لا كمالها، فيسوى بمحل الإجماع هذا موضع النظر بين العلماء في جملة هذه الفروع المتقدمة، ولذلك فرق علماؤنا رحمة الله عليهم بين استحالة الخمر إلى الخل قضوا فيه بالطهارة، وبين استحالة العظام النجسة إلى الرماد لما فيه من بقية الاستقذار، وعدم الانتفاع بخلاف الأول. وبهذا التقرير يظهر بطلان قول القائل إزالة النجاسة من باب الرخص محتجا بأن سبب تنجيس الماء، وغيره ملاقاته للنجاسة، فما من ماء يصل إلى المحل إلا ويتنجس، والثاني يتنجس بالأول، وهلم جرا حتى لو فرض صب الماء من أعلى جبل بإبريق نجس ما في الإبريق، فوق الجبل بالنجاسة الكائنة أسفله بسبب ملاقاة كل جزء لجزء تنجس قبله بأن تجيب عن ذلك بأن الأعراض المخصوصة المستقذرة التي حكم الشرع لأجلها بالنجاسة منفية بالضرورة فيما بعد عن النجاسة، فلا يكون نجسا. الوسيلة الرابعة: إزالة النجاسة، والكلام في حقيقتها، وحكمها، والمستثنيات من أجناسها. فهذه ثلاثة فصول. ويتعلق الغرض بنفس الفعل، وبماذا يكون، وفي أي محل يكون، فهذه ثلاثة أقسام. القسم الأول: نفس الفعل. وفي الجواهر: ولا بد من إذهاب عينها، وأثرها، فإن بقي الطعم، فهي باقية، وأما اللون، والريح، فإن كان زوالهما متيسرا أزيلا، وإلا تركا كما يعفى عن الرائحة في الاستنجاء إذا عسر زوالها من اليد، أو المحل. فروع أربعة: الأول: في الجواهر: إذا انفصلت الغسالة عن المحل متغيرة، فهما نجسان، وإلا فطاهران. الثاني: لا يضر بقاء بعض الغسالة في المحل إذا كانت متغيرة، ولا يشترط العصر. الثالث: قال: إذا لم يتيقن محل النجاسة غسل الثوب، أو الجسد كله لتحصيل يقين الطهارة. الرابع: قال صاحب التلخيص: لا تشترط النية في إزالتها، وقيل: تشترط. قاعدة: التكاليف على قسمين: أوامر، ونواه، فالنواهي بجملتها يخرج الإنسان من عهدتها، وإن لم ينوها، ولا شعر بها نحو خروجنا عن عهدة شرب كل خمر لم نعلمه وقتل كل إنسان لم نعرفه، ونحو ذلك. والأوامر على قسمين: منها ما تكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحة بغير نية كرد المغصوب، وأداء الديون، والودائع، ونفقات الزوجات، والأقارب، والرقيق، والبهائم، فإن الإنسان إذا فعل ذلك بغير نية خرج عن عهدتها لأن المصالح المقصودة منها الانتفاع بتلك الأعيان، وقد حصلت، فلا يضر فقد النية. ومنها ما لا تكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحة كالصلاة، والحج، والصيام، فإن المقصود منها تعظيم الرب تعالى، وإجلاله، والخضوع له بها، وذلك إنما يحصل إذا قصد الله سبحانه وتعالى بها كمن عظم إنسانا بصنع طعام له، فأكله غير من قصده، فإن التعظيم للأول دون الثاني. فمنشأ الخلاف في إزالة النجاسة: هل الله سبحانه وتعالى حرم على عباده المثول بين يديه ملابسين للنجاسات، فتكون من باب المحرمات، فيستغنى عن النية، أو أوجب عليهم أن يتطهروا من الخبث كما يتطهرون من الحدث، فتكون من باب المأمورات التي لا تكفي صورتها في تحصيل مصلحتها، فتحتاج إلى النية. تتمة: في الجواهر: إذا شك في إصابة النجاسة المحل نضحه لما في مسلم أنه عليه السلام أتي بحصير قد اسود من طول ما قد لبث، فنضحه - صلى الله عليه وسلم - فصلى عليه. فإن تحقق الإصابة، وشك في النجاسة، فقولان: والفرق: أن الاستقذار سبب، والإصابة شرط، وتعلق الحكم بسببه أقوى من تعلقه بشرطه لأنه يلزم من وجود السبب وجود الحكم بخلاف الشرط، فإن شك فيهما، فلا ينضح لأن الأصل عدمها. ثم هل يفتقر النضح إلى نية لكونه تعبدا لنشره النجاسة من غير إزالة، فأشبه العبادات، أو لا يفتقر لكونها طهارة نجاسة؟. والنضح عام لما شك فيه الجسد، فيتعين غسله لقول عليه السلام: إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده منه. فأمره بالغسل للشك، وقيل ينضح طردا للعلة، والقولان في المدونة لأنه أمر بغسل الأنثيين إن خشي أن يصيبهما مذى، وهذا يقتضي استثناء الجسد من قاعدة النضح، وقال أيضا: فيها النضح طهور لما شك فيه، وهذا عام، والأول هو الظاهر من كلام صاحب الطراز، وصاحب النكت، والقاضي في التنبيهات نقله عن العراقيين، وهو الأظهر من كلام المدونة، فإنه لما نص على خصوص الجسد أمر بالغسل، وحيث عمم أدرجه مع غيره، فيحتمل التخصيص. وحكى ابن شعبان، وجماعة القول الثاني، وقال صاحب الجواهر: هو المشهور، وفيه نظر لما ذكرته من قول المغاربة، والعراقيين، وظاهر المدونة. فرع في الجواهر مرتب على من أمر بالنضح فصلى بلا نضح قال ابن القاسم، وسحنون: يعيد الصلاة لتركه فرضا، وقال أشهب، وابن نافع، وعبد الملك: لا إعادة عليه، وعلله القاضي أبو محمد بأن النضح مستحب على الخلاف، في ذلك قال القاضي أبو بكر: النضح واجب، ولما لم يكن مزيلاً لمستقذر لم يكن شرطا في الصلاة بخلاف إزالة النجاسة، وقال ابن حبيب: يعيد أبدا في العمد، والجهل إلا أنه قد خفف، فيمن احتلم في ثوبه، فلم ينضح ما لم يره لخفة ذلك قال بعض المتأخرين، ولم يقل أحد من الأصحاب بالإعادة من النسيان. نظائر خمسة: الأصل: أن الواجب لا يسقط مع النسيان، وأسقطه مالك - رحمه الله - في خمسة مواضع في النضح، وغسل النجاسة، والموالاة في الوضوء، والترتيب في المنسيات، والتسمية في الذكاة على القول بالوجوب في هذه الخمسة لضعف مدرك الوجوب بسبب تعارض المآخذ، فقوي الإسقاط بعذر النسيان. القسم الثاني: بماذا يكون التطهير، وهو إما إحالة كالخمر يصير خلا، أو إزالة كالغسل بالماء، أو بهما كالدباغ. فروع: الأول: في الجواهر: لا يجوز التطهير بغير الماء لقوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا).والطهور هو الذي يتطهر به كما سلف أول الكتاب، فيكون ذلك نصا على سببيته، والأصل عدم سببية غيره، فإن قاس الحنفية غيره عليه بجامع المائعية منعنا صحة القياس في الأسباب، وإذا سلمت صحته، فرقنا باليسر، والرقة، واللطافة، فإن قالوا: الخل، وماء الليمون ألطف منه قلنا: لا نسلم بدليل أن الخبز لا يفرق أجزاءه الخل، ولا الليمون بخلافه، وأن الليمون إذا وضع في مواضع العرق سدها للزوجته، ومنعها من الخروج بخلاف الماء، وإما إزالته لألوان المطبوع، فذلك لإحالته اللون لا للطافته. الثاني: إذا مسح السيف، أو المدية الصقلين أجزأ عن الغسل لما في الغسل من إفسادهما، وقيل لأنه لم يبق من النجاسة شيء، ولو مسح البدن مسحا بليغا حتى تذهب النجاسة في الحس لم يطهر لبقاء بعض أجزائها غالبا، وقيل يطهر. الثالث: قال في الكتاب: يغسل مواضع المحاجم، فإن مسح أعاد ما دام في الوقت قال القاضي أبو بكر: الصحيح أنه لا إعادة عليه ليسارة دم المحل. الرابع: إذا مسح الدم من فمه بالريق حتى ذهب، ففي افتقاره للغسل قولان قال القاضي أبو بكر: الصحيح تطهيره بالماء إن كان كثيرا، وإلا عفي عنه، ولا يطهر الريق شيئا. القسم الثالث: في أي محل يكون التطهير. والأعيان ثلاثة أقسام، منها ما لا يقبل التطهير كلحم الميتة، والدم، والبول، والعذرة، ومنها ما يقبل التطهير كالجسد، والثوب، ومنها ما اختلف فيه، وفيه صور ثلاث، والثوب، ومنها اختلف فيه، وفيه صور ثلاث. الأولى: جلد الميتة هل يطهر بالدباغ، وقد تقدم. الثانية: تطهير الخمر بوضع الملح فيها، ونحوه حتى تصير خلا قال ابن رشد في المقدمات فيها ثلاثة أقوال: يجوز على كراهية، أو يمنع، والقولان لمالك - رحمه الله -، ولسحنون إن: اقتناها امتنع، وإن عمل عصيرا، فصار خلا جاز. الثالثة: الزيت النجس، وفي الجواهر: روى ابن القاسم طهارته بالغسل، وقيل لا يطهر لأن لزوجة الزيت تمنع إخراج الماء لنجاسته أما إذا كانت النجاسة لا تخرج مع الماء كميتة، أو شحم خنزير، فلا خلاف أنها لا تطهر. وصورة الغسل أن يجعل في قربة، أو جرة، ويلقى عليه مثله ماء، أو نحوه، ويخضخض، ثم يقلب فم الإناء إلى أسفل، وهو مسدود ساعة، فيصير الدهن إلى القعر، ويبقى الماء عند الفم، فيفتح، فيخرج الماء، ويمسك الدهن، ثم يسكب عليه ماء آخر قال المازري ثلاث مرات، ونحوها. في الجواهر: قال القاضيان ابن القصار، وعبد الوهاب: المذهب كله على وجوب الإزالة، وإنما الخلاف في إعادة من صلى بها بناء على كونها شرطا، في الصلاة أم لا، وقال المازري وقع الاتفاق على تأثيم المصلي بها، ومعنى قول بعض العلماء إنها سنة أن حكمها علم بالسنة. وقال القاضي أيضا في شرح الرسالة، وجماعة: هي سنة، والخلاف في إعادة من صلى بها مبني على الخلاف فيمن ترك السنن متعمدا. واللخمي، وغيره من المتأخرين المغاربة يقولون في المذهب ثلاثة أقوال: الوجوب، وهو رواية ابن وهب لإلزامه الإعادة بعد الوقت ناسيا، أو عامدا. والاستحباب لأشهب لاستحبابه الإعادة في الوقت عامدا، أو ناسيا، والوجوب مع الذكر، والقدرة دون النسيان، والعجز، وهو ظاهر الكتاب لإيجابه الإعادة على غير المعذور بعد الوقت، وأمر المعذور بالإعادة في الوقت. فروع أربعة من الطراز: الأول: إذا ذكر النجاسة وهو في الصلاة قطع صلاته، أمكنه طرحه أو لم يمكن على ظاهر الكتاب، وقيل: لا يقطع إذا طرح ما عليه لتوه لأنه خلع نعله، ولم يعد، وقيل: لا يقطع في الحالين إما لأن إزالة النجاسة أخف، أو قياسا على الرعاف، والفرق أن التحرز من النجاسة ممكن بخلاف الرعاف. زاد ابن الجلاب في هذا الفرع إن لم يمكنه طرحه قال عبد الملك يمضي على صلاته، ويعيدها في الوقت، فإن لم يذكر ذلك حتى فرغ أعاد في الوقت استحبابا، فإن تعمد خروج الوقت فلا إعادة عليه عند ابن القاسم، وقال محمد وعبد الملك: يعيد بعد الوقت. فرع مرتب: إذا قلنا يقطع، وقد بقي من الوقت ما لا يسع بعد إزالة النجاسة ركعة، فيتخرج على الخلاف فيمن إذا تشاغل برفع الماء من البئر حتى خرج الوقت، وهذا أولى بالتمادي لأن الصلاة بالنجاسة أخف من الصلاة بالحدث لوجوب رفعه إجماعا. الثاني: إن قلنا بالقطع، فنسي بعد رؤيتها، وأتم الصلاة قال ابن حبيب: يعيد وإن ذهب الوقت لبطلان صلاته برؤيته، وهذا ظاهر على القول بأنه يقطع، وإن قلنا بأنه ينزع، ولا يقطع، فالصلاة صحيحة. ولو كان ذاهبا قبل الصلاة، ونسيها: ففي الجواهر: قال القاضي أبو بكر: عن بعض العلماء إن عليه الإعادة، وإنه مفرط، واستضعفه بناء على اختصاص الوجوب بوقت الصلاة. الثالث: إذا كانت النجاسة تحت قدميه، فرآها، فتحول عنها خرجت على الخلاف في الثوب إذا أمكنه طرحه، وإن كانت حول رجليه، فلا شيء عليه. الرابع: قال أبو العباس الإيباني: إذا كان أسفل نعله نجاسة، فنزعه، ووقف عليه جاز كظهر حصير. الخامس: من البيان قال مالك: إذا علم في ثوب إمامه نجاسه إن أمكنه إعلامه، فليفعل، وإن لم يمكنه، وصلى أعاد في الوقت قال يحيى بن يحيى: الإعادة في الوقت، وبعده أحب إلي، وإنما خصصها مالك بالوقت مراعاة لقول من يقول كل مصل يصلي لنفسه، وكذلك من علم أن الإمام غير متوضىء، فليعلمه بذلك، وليستأنف عند سحنون، والذي يأتي على مذهب ابن قاسم أن الكلام لإصلاح الصلاة لا يبطل البناء، وعدم الاستئناف، وقيل في المتلبس إن أمكنه إعلامه بقراءة آية المدثر، أو آية الوضوء فعل، وتمادى على صلاته مع المستخلف الإمام، وهو قول الأوزاعي، وقال يحيى بن يحيى وسحنون: له أن يخرق الصفوف، ويعلمه، ولا يستدبر القبلة. وبقية أحكام النجاسة تأتي في شروط الصلاة. حجة الوجوب قوله تعالى: (وثيابك فطهر).وقوله عليه السلام في الصحيح في صاحبي القبر: إن هذين ليعذبان، وما يعذبان بكبير كان أحدهما يمشي بالنميمة، والآخر لا يستبرىء من البول. ومن سنن الدارقطني عنه عليه السلام: استبرئوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه. ولأن البول تتعلق به طهارة حدث، وطهارة خبث، والأولى واجبة إجماعا، فيكون الآخر كذلك عملا باتحاد السبب. حجة الندب: ما في الصحيح أنه عليه السلام خلع نعله، فخلع الصحابة رضوان الله عليهم نعالهم، فلما سلم قال ما بالكم خلعتم نعالكم قالوا: رأيناك خلعت، فخلعنا قال عليه السلام: إن جبريل أخبرني أن فيها قذرا، ويرى أذى، ولم يعد صلاته، ولا أبطل ما مضى منها. وفي الموطأ: أنه عليه السلام كان يصلي، وهو يحمل أمامة بنت زينب ابنته رضي الله عنها، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، والغالب على ثياب الصبيان النجاسة. وقد ألقت قريش على ظهره عليه السلام سلى جزور بدمها، ولم يقطع صلاته، ولا نقل أنه أعادها. ولما تعارضت المآخذ كان النسيان مسقطا للوجوب لضعف مأخذه على المشهور. وتقدم قبل ذلك قاعدة، وهي أن كل مأمور يشق على العباد فعله سقط الأمر به، وكل منهي شق عليهم اجتنابه سقط النهي عنه. والمشاق ثلاثة أقسام: مشقة في المرتبة العليا، فيعفى عنها إجماعا كما لو كانت طهارة الحدث، أو الخبث تذهب النفس، أو الأعضاء. ومشقة في المرتبة الدنيا، فلا يعفى عنها إجماعا كطهارة الحدث والخبث بالماء البارد في الشتاء. ومشقة مترددة بين المرتبتين، فمختلف في إلحاقها بالمرتبة العليا، فتؤثر في الإسقاط، أو بالمرتبة الدنيا فلا تؤثر، وعلى هذه القاعدة يتخرج الخلاف في فروع هذا الفصل نظرا إلى أن هذه النجاسة هل يشق اجتنابها أم لا. وفي هذا الفصل تسع عشرة صورة. الصورة الأولى: قال في الكتاب: إذا رأى في ثوبه يسيرا من الدم، وهو في الصلاة مضى على صلاته كان دم حيض، أو غيره، وإن نزعه فلا بأس. من الطراز: قال ابن حبيب: وإن رآه قبل الدخول في الصلاة نزعه، وإنما الرخصة في الصلاة، أو بعدها، وهذا خلاف ظاهر المذهب، وقال صاحب الغرائب إن صلى به عامدا أعاد بخلاف الساهي، والعلة في العفو عنه تكرره لا خفاؤه. واختلف في اليسير قال مالك - رحمه الله -: قدر الدرهم قال ابن عبد الحكم: قدر المخرج لأنه معفو عنه، وأنكر مالك - رحمه الله - في العتبية التحديد، وقال أبو طاهر: الخنصر يسير، والخلاف فيما فوقه إلى الدرهم. من الطراز: سوى مالك - رحمه الله - بين الدماء في العفو في المدونة، وألحق في المبسوط دم الحيض بالبول، وإذا قلنا بالعفو عنه فظاهر المذهب التسوية بين إضافته للحائض، أو لغيرها. وقال اللخمي: يختلف في الدم اليسير يكون في ثوب الغير، ثم يلبسه الإنسان لإمكان الانفكاك عنه. وإذا قلنا لا يعفى عن دم الحيض، فدم الميتة مثله عند ابن وهب، ويعفى عنه عند أبي حبيب كدم المذكاة استصحابا لحكمة قبل الموت، وإذا قلنا يعفى عن يسير دم الميتة، فهل يعفى عن يسير دم الخنزير على ظاهر التسوية بين الدماء في الكتاب، أو بفرق بينه وبين دم الميتة بأنه كان معفوا عنه في حالة الحياة، ومباح الأكل إذا لم يسفح، وبين دم الحيض بأنه دم إنسان، والإنسان لا يتميز عن دمه. وإذا قلنا يعفى عن دم الخنزير، والميتة، فهل يعفى عن اليسير من لحم الميتة لأنه على حكم الدم، أو لا يعفى عنه، وهو الظاهر لإمكان الاحتراز منه. الصورة الثانية من البيان: سئل مالك - رحمه الله - عما ينسجه النصارى، ويسقونه بالخبز المبلول، ويحركونه بأيديهم، وهم أهل نجاسة قال: لا بأس بذلك، ولم يزل الناس يلبسونها قديما. قال ابن رشد: ولا فرق في القياس بين منسوجهم وملبوسهم في الانتفاع. الصورة الثالثة من التبصرة: قال مالك - رحمه الله -: إذا وقعت قطرة من بول أو خمر في طعام أو دهن لا ينجس إلا أن يكون قليلا، وقاله ابن نافع في حباب الزيت تقع فيها الفأرة. وأمكن أن يقال: إن هذا له أصل في الشرع يرجع إليه، فلا يكون رخصة، وهو أن القاعدة المجمع عليها إذا تعارضت المفسدة المرجوحة، والمصلحة الراجحة اغتفرت المفسدة في جنب المصلحة كقطع اليد المتآكلة لبقاء النفس، ونظائر ذلك كثير في الشرع. والنقطة النجسة مشتملة على المفسدة، وكل نقطة من المائع مشتملة على مصلحة، فنقطة معارضة بنقطة، وبقية المائع سالم من المعارض، فيكون المائع طاهرا. فإن قيل يشكل ذلك بالقليل من المائع. قلنا: الجواب من وجهين الأول: إن أعظم المفسدة في إراقة المائع الكثير أتم. الثاني: أن هذه المفسدة يندر وجودها، فغلبت في القليل طلبا للاحتياط. الصورة الرابعة: قال في الكتاب: لا بأس بطين المطر، وماء المطر المنتفع، وفيه العذرة، والبول، والروث، وما زالت الطرق كذلك، وهم يصلون به. قال الشيخ أبو محمد: ما لم تكن النجاسة غالبة، أو عينا قائمة. قال أبو طاهر: ولو كانت كذلك، وافتقر إلى المشي فيه لم يجب غسله كثوب المرضعة. الصورة الخامسة في الجواهر: الجرح بمصل الدم، وغيره يعفى عنه ما لم يتفاحش. الصورة السادسة: الدمل يسيل يعفى عنه ما لم يتفاحش. الصورة السابعة: قال ثوب المرضع يعفى عن بول الصبي فيه ما لم يتفاحش قال في الكتاب: وأستحب لها ثوبا آخر لصلاتها. الصورة الثامنة: قال: الأحداث تستنكح ويكثر قطرها، وإصابتها الثوب فيعفى عنها ما لم يتفاحش. فرع: إذا عفي عن الأحداث في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره لسقوط اعتبارها شرعيا، وقيل: لا يعفى عنها في حق غيره لأن سبب العفو الضرورة، ولم يوجد في حق الغير، وفائدة الخلاف صلاة صاحبها بغيره إماما. الصورة التاسعة: قال: بول الخيل بالنسبة إلى الغازي في أرض الحرب، وقيل مطلقا يعفى عنه ما لم يتفاحش. الصورة العاشرة: قال: دم على السيف، أو المدية الصقيلين يعفى عن أثره دون عينه. الصورة الحادية عشرة: الخف يمشى به على أبوال الدواب، وأرواثها يكفي فيه المسح، وقيل الغسل. فروع: الأول من الطراز: قال سحنون: مسح الخف بالأمصار والمواضع التي تكثر فيها الدواب، وما لا تكثر فيه الدواب لا يعفى عنه. الثاني: من الطراز: حد المسح أن لا يخرج المسح شيئا مثل الاستجمار في خروج الحجر نقيا، وقال أبو ثور: يشترط انقطاع الريح، وليس شرطا كما في الاستنجاء. الثالث منه أيضا: قال ابن القاسم في النوادر: يغسل الخف من بول الكلب، ولا يمسح، ويشبه أن يلحق به الدجاج المخلاة لندرتها في الطرقات. الرابع منه: لو مشى بخفه على نجاسة، ولا ماء معه، فليخلعه، ويتيمم لأن التيمم بدل من الوضوء، والنجاسة لا بدل لها. الصورة الثانية عشرة: في الجواهر: النعل إذا مشى به على أرواث الدواب، وأبوالها دلكه، وصلى لما في أبي داود عنه عليه السلام أنه قال: إذا وطىء أحدكم بنعله الأذى كان التراب له طهورا. وفي رواية: إذا وطئ أحدكم الأذى بخفه، فطهورها التراب. وقال ابن حبيب: لا يجزيه لخفة النزع بخلاف الخف. الثالثة عشرة: قال: بول من لم يأكل الطعام يغسل على المذهب، وقيل يستثنى، وقيل الذكر فقط، وقد تقدم تقريره. الرابعة عشرة: قال: إذا مشى برجله على نجاسة هل يجب غسلها لخفته، أو يلحق بالنعل لتكرر ذلك، والتفرقة للقاضي أبي بكر بن العربي ثلاثة أقوال. الخامسة عشرة: المرأة لما كانت مأمورة بإطالة ذيلها للستر جعل الشرع ما بعده طهورا له؛ لما في الموطأ عن عبد الرحمن بن عوف عن امرأة أنها قالت لأم سلمة إني امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر، فقالت: قال لها النبي عليه السلام: يطهره ما بعده. وقيل: هذا حديث مجهول لأنه عن امرأة لا تعرف حالها، وحمله مالك - رحمه الله - عليه في الكتاب على القشب اليابس. والقشب بسكون الشين المعجمة هو الرجيع اليابس، وأصله الخلط بما يفسد، وقشب الشيء إذا خلطه بما يفسد، وهو رجيع مخلوط بغيره. وقال التونسي: الأشبه أن ذلك مما لا تنفك عنه الطرق من أرواث الدواب، وأبوالها، وإن كانت رطبة كما قال مالك في الخف، وهذا تخريج حسن بجامع المشقة، وهي في الثواب أعظم لأن كل أحد يمكنه نزع خفه ليجف بعد الغسل، وليس كل أحد يجد ثوبا غير ثوبه حتى ينزعه. وفي أبي داود في امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت يا رسول الله: إن لنا طريقا إلى المسجد مبنية فكيف نفعل إذا مطرنا فقال عليه السلام: أليس بعدها طريق أطيب منها قالت بلى قال فهذه بهذه. فقيل: يطهر الخف ما بعده رطبا، أو يابسا لهذه الأحاديث، والمذهب الأول، وهو مذهب الكتاب، وخرج الأصحاب عليه: من مشى برجله مبلولة على نجاسة، ثم على موضع جاف. السادسة عشرة: قال: ودم الفم يمجه بالريق حتى يذهب لم ير طهارته بذلك في الكتاب، وقيل: يطهر، وقد تقدم تحريره. السابعة عشرة: قال: دم المحاجم على ما تقدم في الخلاف في إزالة النجاسة. الثامنة عشرة: من الطراز: يسير البول، والعذرة يعلق بالذباب، ثم يجلس على المحل يعفى عنه. التاسعة عشرة: في الجواهر: الأحداث على المخرجين معفو عن أثرها. ويتعلق الغرض هاهنا بأربعة أطراف: الأول: بآداب قضاء الحاجة، وهي ثلاثة عشر أدبا. الأول: من الجواهر: طلب مكان بعيد لما في أبي داود كان عليه السلام إذا ذهب أبعد. الثاني: قال: يستصحب ما يزيل به الأذى. الثالث: قال: أن يتقي الملاعن لقوله عليه السلام: (اتقوا اللاعنين قالوا يا رسول الله، وما اللاعنان قال: الذي يتخلى في طريق الناس، أو ظلهم) ويلحق بذلك مجالسهم، والشجر لصيانة الثمر، والأنهار لصيانة الموارد. وسميت هذه ملاعن، من باب تسمية المكان بما يقع فيه، كتسمية الحرم حراما، والبلد آمنا، لما حل فيهما من تحريم الصيد، وأمنه، ولما كانت هذه المواضع يقع فيها لعن الفاعل الغائط من الناس سميت ملاعن. الرابع: قال: يجتنب الموضع الصلب حذرا من الرشاش. الخامس: قال: يجتنب المياه الدائمة المحبوسة لقوله عليه السلام في مسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه) ومحمله عند علمائنا على سد الذريعة عن فساده لئلا يتوالى ذلك فيفسد الماء على الناس. السادس: قال: تقديم الذكر قبل دخول محل الخلاء لما في أبي داود: إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث، والخبائث. . قال الخطابي: المحدثون يروون الخبث بإسكان الباء، والصواب ضمها قال القاضي عياض: الحشوش بالحاء المهملة المضمومة، وشينين معجمتين المراحيض واحدها الحش، وهو النخل المجتمع بضم الحاء، وفتحها، وكانوا يستترون بها قبل اتخاذ الكنف، وأصلها من الحش بالفتح، وهو الزبر يكتنف الكنف، أو يبرز منه فيها، ومعنى محتضرة: أي تحضرها الشياطين قال غيره: الخبث جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، فأمر عليه السلام بالاستعاذة من ذكور الجن، وإناثها قال ابن الأعرابي: والخبث بالضم لغة المكروه. يقول ذلك قبل دخوله إلى موضع الحدث، أو بعد وصوله إن كان الموضع غير معد للحدث، وقيل: يجوز، وإن كان معدا له كما جرى الخلاف في جواز الاستنجاء بالخاتم مكتوبا فيه ذكر الله تعالى. قال صاحب الطراز: جوز مالك - رحمه الله - أن يدخل الخلاء، ومعه الدينار، والدرهم مكتوبا عليه اسم الله تعالى، وجوز الاستنجاء بالخاتم وفيه اسم الله تعالى، وقال: لم يكن من مضى يتحرز منه. قال ابن القاسم: وأنا أستنجي به، وفيه ذكر الله تعالى قال صاحب البيان: وهذا محمول من ابن القاسم على أنه كان يعسر قلعه، وإلا فاللائق بورعه غير هذا، وكره ذلك ابن حبيب، وهذا أحسن لكراهة مالك - رحمه الله - معاملة أهل الذمة بالدراهم، والدنانير فيها اسم الله تعالى لنجاستهم، وفي الترمذي كان عليه السلام إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، وصححه الترمذي، وضعفه أبو داود، وفي الصحيحين النهي عن مس الذكر باليمنى، وذكر الله تعالى أعظم من ذلك. السابع: قال: يديم الستر حتى يدنو من الأرض لما في الترمذي أنه عليه السلام كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. ويروى أن الله تعالى أوحى لإبراهيم عليه السلام إن استطعت ألا تنظر الأرض عورتك، فافعل، فاتخذ السراويل. الثامن: قال: يبول جالسا إن كان المكان طاهرا لما في الترمذي قالت عائشة رضي الله عنها من حدثكم أنه عليه السلام كان يبول قائما فلا تصدقوه، وما كان عليه السلام يبول إلا قاعدا، ولأنه أبعد عن التنجيس، فإن كان المكان رخوا نجسا، فله أن يبول قائما لما في مسلم أنه عليه السلام أتى سباطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم، فبال. والسباطة موضع الزبالة، ورمي القاذورات، فلذلك بال عليه السلام قائما. التاسع: الصمت لما في أبي داود: لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن الله تعالى يمقت على ذلك. ولا يرد سلاما لما في الترمذي أنه عليه السلام مر عليه رجل، وهو يبول، فسلم، فلم يرد عليه. قال صاحب الطراز: وهذا يقتضي ألا يشمت عاطسا، ولا يحمد إن عطس، ولا يحاكي مؤذنا. العاشر: قال: يجتنب البول في الجحر لما في أبي داود: نهى عليه السلام أن يبال في الجحر قيل: لأنها مساكن الجن، وقيل: خشية أذية الهوام الخارجة منها إما بسمها، وإما بتنفيرها إياه فيتنجس. الحادي عشر: قال: يجتنب المستحم لما في الترمذي: أنه عليه السلام قال: (لا يبولن أحدكم في مستحمه، ثم يتوضأ فيه، أو يغتسل منه، فإن عامة الوسواس منه). الثاني عشر: قال صاحب الطراز: كان عليه السلام إذا خرج من الخلاء قال: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى، وعافاني)، وربما قال: (غفرانك) رواه أبو داود قيل: استغفاره لترك الذكر حالة الحاجة، وعادته الذكر دائما، وقيل: إظهارا للعجز عن شكر النعم، وقيل:؛ لأن عادته الاستغفار حتى كان يحفظ عنه في المجلس الواحد مائة مرة، فجرى على عادته. وورد على الأول: أن ترك الذكر في تلك الحالة طاعة تأبى الاستغفار، وعلى الثاني: أن النعم في كل وقت معجوز عن شكرها، فما وجه الاختصاص؟ والصحيح الثالث. الثالث عشر: في الجواهر: يجتنب القبلة لما في الموطأ من قوله عليه السلام: (إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها ببول، أو غائط، ولكن شرقوا، أو غربوا) فإن كان الموضع لا ساتر فيه، ولا مراحيض، فلا يجوز استقبالها، ولا استدبارها، وإن وجد الساتر، والمراحيض جاز ذلك لما في الموطأ أن ابن عمر رضي الله عنهما رآه عليه السلام في بيت حفصة مستدبرا الكعبة مستقبلا بيت المقدس، فإن وجد المرحاض بغير سترة كمرحاض السطوح لما فيه من الحاجة. قال مالك - رحمه الله -: ولم تعن هذه المراحيض بالحديث. ويسمى مرحاض السطوح كرياسا، وما كان في الأرض كنيفا. وإن وجد الساتر بغير مرحاض جاز أيضا لما في أبي داود أن ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقيل له: أليس قد نهي عن هذا، فقال: لا إنما نهي عن ذلك في الفضاء، فإن كان بينك، وبين القبلة شيء يستر، فلا بأس، وقيل: لا يجوز، والخلاف يخرج على علة هذا الحكم، فقيل: إجلالا لجهة الكعبة لما روى البزار عنه عليه السلام: من جلس يبول قبالة القبلة، فذكر فينحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له، وقال الشعبي: ذلك لحرمة المصلين، والحشوش لا يصلي فيها، وهذا أولى لجمعه بين الحديثين. كشف: إباحة استقبال المشرق، والمغرب بالبول مخصوص ببلاد الشام، واليمن، وكل ما هو شمال البيت، أو جنوبه، فإن الشام شماله، واليمن جنوبه فيكون البائل حينئذ يقابل البيت، والمصلين بجنبه لا بعورته، وهو المطلوب أما من كان المشرق، والمغرب قبلته فينهى عن استقبالهما، واستدبارهما، ويباح الجنوب، والشمال صونا لما أشار الشرع لصونه من الكعبة، أو المصلين، ومن قبلته النكباء التي بين الجنوب، والصبا كبلاد مصر يستقبل النكباء التي بين المغرب، والجنوب، أو يستدبرها، وقس على ذلك سائر الجهات، وصمم على أن الحديث خاص منبه، وليس عاما للأقطار، فإنه عليه الصلاة والسلام خاطب به أهل المدينة، وهم من أهل الشمال، فكان الحديث موافقا لهم. تتميم: الرياح ثمانية: الصبا، وهي الشرقية، والدبور، وهي الغربية، والجنوب، وهي القبلية، وتسمى اليمانية، والشمالية، وهي التي تقابلها، وتسمى بمصر البحرية لكونها تأتي من جهة بحر الروم، وتسمى الجنوبية المريسية لكونها تمر على مريسة من بلاد السودان، وكل ريح بين ريحين، فهي نكباء لكونها نكبت عن مجرى جاريتها، فالأصول أربعة، والنواكب أربعة، وتأتي تتمة ذلك في استقبال القبلة في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. فرعان: الأول: قال صاحب الطراز: لا يكره استقبال بيت المقدس لأنه ليس قبلة. الثاني: قال اللخمي: الجماع كالبول يجامع كشف العورة، وقيل: يجوز في الفلوات لعدم الفصلة، وهي جزء العلة، وقيل: إن كانا مكشوفين منع في الصحارى، ويختلف في البيوت، وإن كانا مستورين جاز في الموضعين. الطرف الثاني: فيما يستنجى منه. والاستنجاء طلب إزالة النجو، وقيل: إزالة الشيء عن موضعه، وتخليصه منه. استنجيت الرطب، ونجوته، وأجنيته، والنجو الفضلة المستقذرة سميت بذلك؛ لأن النجو جمع نجوة، وهي المكان المرتفع، فلما كان الناس يستترون بها غالبا سميت بها لتلازمها، وقيل: من نجوت العود أي قشرته، وقيل: من النجاء، وهو الخلاص من الشيء، وكذلك سميت غائطا؛ لأن الغائط هو المكان المطمئن، والغالب إلقاؤها فيه، فلما لازمها سمي بها، وكذلك سمي برازا بفتح الباء؛ لأن البراز هو المتسع من الأرض كانوا يذهبون إليه لقضاء الحاجة، فسميت به لذلك، وسمي خلاء لأنه يذهب بسببها إلى المكان الخالي. والاستجمار: طلب استعمال الجمار، وهي الحجارة جمع جمرة، وهي الحصاة، ومنه الجمار في الحج، وقيل: من الاستجمار بالبخور، والحجر يطيب الموضع كما يطيبه البخور، ولذلك سمي استطابة لما فيه من تطييب الموضع، والاستبراء: طلب البراءة من الحدث؛ لأن الاستفعال في لغة العرب غالبا لطلب الفعل كالاستسقاء لطلب السقي، والاستفهام لطلب الفهم. إذا تقررت معاني هذه الألفاظ، ففي الجواهر: الاستنجاء يكون عما يخرج من المخرجين معتادا سوى الريح، فإن المقصود إزالة عين النجاسة، وهي زائلة في الريح، ولقوله عليه السلام: (ليس منا من استنجى من الريح) ويجوز الاستجمار فيما عدا المني، وكذلك المذي على المشهور، ولما في أبي داود عنه عليه السلام: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن، فإنها تجزىء عنه). قال الشيخ أبو بكر، وغيره: ويجزىء أيضا في النادر كالحصى، والدم، والدود. وأما المني، والمذي، فلا يستنجي منهما لما فيهما من التخيط الذي يوجب نشرهما بالحجر، ونحوه، ولأن الحديث إنما جاء فيما يذهب فيه إلى الغائط، وهذان لا يذهب فيهما إلى الغائط. قال صاحب الطراز: جوز القاضي الاستجمار من الدم، والقيح، وشبهه، ويحتمل المنع؛ لأن الأصل في النجاسة الغسل، وترك ذلك في البول، والغائط للضرورة، ولا ضرورة هاهنا. وأما الحصي، والدود يخرجان جافين، فعند الباجي هو طاهر كالريح لا يستنجي منه، ولأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة عين النجاسة، وليس هاهنا عين، وإن وجد فيه أدنى بلة عفي عنها كأثر الاستجمار، وإن كانت البلة كثيرة استجمر منها لأنها من جنس ما يستجمر منه بخلاف الدم. فرعان له أيضا: الأول: المرأة لا يجزيها المسح بالحجر من البول لتعديه مخرجه إلى جهة المقعدة، وكذلك الخصي. الثاني: يجب على الثيب أن تغسل من فرجها ما تغسل البكر؛ لأن مخرج البول قبل مخرج البكارة، والثوبة، وإنما تختلفان في الغسل من الحيض، فتغسل الثيب كل شيء ظهر من فرجها حالة جلوسها، والبكر ما دون العذرة، ويحتمل أن يقال: إن البول يجري عليه، وإليه فيغسل، والأول أظهر؛ لأن الشرع جعله من حكم الباطن بدليل أنه لا يستحب غسله في الجنابة كالفم، والأنف. وفي الجواهر: ويجب غسل الذكر كله من المذي خلافا ح، وش لما في الموطأ أن المقداد سأله عليه السلام عن الرجل يدنو من أهله فيخرج منه المذي، فقال عليه السلام: (إذا وجد أحدكم ذلك، فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة)، والفرج ظاهر في جملة الذكر، وقال السيخ أبو بكر بن المنتاب: يغسل موضع الأذى خاصا قياسا على البول، فعلى القول الأول: تجب النية في الغسل لأنه عبادة لتعدية الغسل محل الأذى، وقيل: لا تجب لأنه من باب إزالة النجاسة، وتعدية محله معلل بقطع أصل المذي، والمذي بالذال المعجمة الساكنة، وتخفيف الياء، والذال المتحركة، وتشديد الياء. الطرف الثالث: فيما يستنجى به، وفي الجواهر: هو الماء، والأحجار، وجمعها أفضل لإزالة العين، والأثر، ولأن أهل قباء كانوا يجمعون بين الماء، والأحجار، فمدحهم الله تعالى بقوله: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، والاقتصار على الماء أفضل من الاقتصار على الأحجار، والاقتصار على الأحجار مجزىء لقوله عليه السلام في الحديث السابق (تجزىء عنه) وقال بعض أهل العلم: يكره الماء لأنه مطعوم، وقال ابن حبيب: لا يجزىء مع القدرة على الماء، وخصص الأحاديث بالسفر، وعدم الماء، ويقوم مقام الأحجار كل جامد طاهر منق ليس بمطعوم، ولا ذي حرمة، ولا شرف سواء أكان من نوع الأرض كالكبريت، ونحوه، أو غير نوعها كالخزف، والحشيش، ونحوهما خلافا لأصبغ لقوله عليه السلام في البخاري: (ائتني بثلاثة أحجار، ولا تأتيني بعظم، ولا روث) واستثناء هذين يدل على أنه أراد الأحجار، وما في معناها، ولأصبغ: إن طهارة الحدث، والخبث اشتراكا في التطهير بالماء، والجماد، فكما لا يعدل بغير الماء من المائع، فلا يعدل بغير جنس الأرض من الجماد، والفرق بين التيمم، والاستنجاء أن مقصود الاستنجاء إزالة العين، فكل ما أزالها حصل المقصود، والتيمم تعبد، فلا يتعدى محل النص. واشترطنا الطهارة لأنها طهارة، والطهارة لا تحصل بالنجاسة، ولقوله عليه السلام فيما تقدم: (لا تأتيني بعظم، ولا روث). واشترطنا ألا يكون مطعوما صونا له عن القذر، وقد نهي عن الروث لأنه طعام للجان، فأولى طعامنا. واشترطنا ألا يكون ذا حرمة حذرا من أوراق العلم، وحيطان المساجد، ونحو ذلك. واشترطنا عدم الشرف احترازا من الجواهر النفيسة. واشترطنا المنقي احترازا من الزجاج، والبلور، ونحوهما لنشره النجاسة من غير إزالة. فرع: قال: فإن استنجى بعظم، أو روث، أو طعام، ونحو ذلك أجزأه خلافا ش لحصول المقصود، وهو إزالة العين، وفي الإعادة في الوقت خلاف لمراعاة الخلاف. فرع مرتب عليه: قال صاحب الطراز: لو علقت به رطوبة الميتة، أو تعلقت الروثة على المحل تعين الغسل. فروع: الأول: قال: ظاهر قول مالك - رحمه الله - جواز الاستجمار بالحمم لأنه لم يذكره عليه السلام في استثنائه، ومنعه مرة لما في البخاري: قدم وفد الجن عليه صلوات الله عليه، فقالوا يا رسول الله انه أمتك أن يستجمروا بعظم، أو روث، أو حممة، فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقا، فنهى عليه السلام عن ذلك. الثاني: لو استجمر بأصابعه، أو ذنب دابة، أو شيء متصل بحيوان، وأنقى أجزأ خلافا ش، فإن الأمر بالأحجار إن كان تعبدا فينبغي أن يمنع الصوف، والخرق، وإن كان المقصود الإزالة فينبغي أن يصح بالجميع، وما الفرق بين قلع صوف من ذنب دابة فيستنجي به، أو يستنجي به متصلا، فلا هو أعطى التعميم حكمه، ولا هو أعطى التخصيص حكمه. الثالث: إذا انفتح مخرج للحدث، وصار معتادا استجمر منه، ولا يلحق بالجسد، وما قارب المخرج مما لا انفكاك عنه غالبا. قال ابن القاسم: حكمه حكم المخرج؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستنجون مع اختلاف حالاتهم، ولا يستعملون الماء، والغالب وقوع مثل ذلك منهم. وخالف ابن عبد الحكم؛ لأن الأصل في النجاسة الغسل. الطرف الرابع: في كيفية الاستنجاء. يكره الاستنجاء باليمين إلا لضرورة لما في البخاري عنه عليه السلام أنه قال: (لا يمسك أحدكم ذكره بيمينه، وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء). فيبدأ بغسل يده اليسرى قبل الملاقاة لأنه أبعد عن علوق النجاسة بيده، ثم يغسل محل البول أولا لئلا تتنجس يده بالبول. قال صاحب الطراز: إلا أن تكون عادته إدرار البول عند غسل محل الغائط، فلا فائدة حينئذ بتعجيله، ثم ينتقل إلى محل الغائط، ويرسل الماء، ويوالي الصب على يده غاسلا بها المحل، ويسترخي قليلا ليتمكن من الإنقاء، ويجيد العرك حتى تزول اللزوجة، ولا يضره بقاء الرائحة بيده. وأما الأحجار فيستنجي بثلاثة أحجار لكل مخرج لما في البخاري: (من استجمر، فليوتر). ويبدأ بمخرج البول كما تقدم، وإن أنقى بدونها أجزأه خلافا ش؛ لأن الواحد وتر فيخرج به عن العهدة، وقال أبو الفرج، والشيخ إسحاق: يلزمه طلبها لما في مسلم: (لا يستجمر أحدكم بدون ثلاثة أحجار) ولأنها حكم شرعي فيتوقف على سببه كسائر الأحكام. والحجر الذي له ثلاثة شعب يجزىء، وقال ابن شعبان: لا بد من ثلاثة أحجار. وتتعين الزيادة على الثلاثة إن لم يحصل الإنقاء. قال صاحب الطراز: في صفة الاستجمار ثلاثة مذاهب أحدها: أن يمسح بكل حجر من الثلاث جملة المخرج، وهو قول أكثر العلماء، وثانيها: يمسح بالأول الجهة اليمنى، ثم يديره حتى يتناهى إلى مؤخر اليسرى، ويبدأ بالحجر الثاني من مقدم اليسرى حتى ينتهي إلى مؤخر اليمين، ثم يديره حتى ينتهي إلى مقدمها، ويدير الثالث على جميعها لما روى في ذلك مالك أنه عليه السلام قال: (يقبل بحجر، ويدبر بحجر، ويحلق بثالث). وهذا خلاف ما عهد في الزمن القديم، وفيه الأعراب الجلف، ولم يلزموا بتحديد مع عمومه، وعموم البلوى. فروع أربعة: الأول: الاستبراء واجب لما في البخاري أنه عليه السلام مر بحائط من حيطان مكة، أو المدينة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال عليه السلام: (إن هذين يعذبان، وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى كان أحدهما لا يستنثر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة بين الناس) ورواه أبو داود. لايستتر قال الهروي في الغريبين الرواية لايستنثر من الاستنثار وهو الجذب، والنثر، ومعنى ذلك أنه يشرع في الوضوء قبل خروج جميع البول فيخرج البول بعده فيصلي بغير وضوء فيلحقه العذاب. لكن ليس عليه أن يقوم، ويقعد، ويتنحنح لكن يفعل ما يراه كافيا في حاله، ويستبرىء ذلك بالنفض، والسلت الخفيف، وروى ابن المنذر مسندا أنه عليه السلام قال: (إذا بال أحدكم، فلينتر ذكره ثلاثا، ويجعله بين أصبعين السبابة، والإبهام فيمرها من أصله إلى كمرته). الثاني: لو ترك الاستنجاء، والاستجمار وصلى بالنجاسة أعاد الصلاة أبدا إذا كان عامدا قادرا، أو يعيد في الوقت على قاعدة إزالة النجاسة، ولمالك - رحمه الله - في العتبية لا إعادة عليه لما في البخاري: (من استجمر، فليوتر) ورواية أبي داود: (من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج) والوتر يتناول المرة الواحدة، فإذا نفاها لم يبق شيء، ولأنه محل تعم به البلوى فيعفى عنه كدم البراغيث قال اللخمي: يتخرج على الخلاف في إزالة النجاسة قال ابن الجلاب في هذه الصورة: أستحب له أن يعيد وضوءه وصلاته في الوقت. قال صاحب الطراز: كأن ابن الجلاب راعى في ذلك استخراج النجاسة من غضون الشرج فيكون محدثا، فلذلك أمر بإعادة الوضوء. الثالث: إذا عرق في الثوب بعد الاستجمار. قال صاحب الطراز وابن رشد: يعفى عنه لعموم البلوى، وقد عفي عن ذيل المرأة تصيبه النجاسة مع إمكان شيله، فهذا أولى، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستجمرون، ويعرقون، وقال ابن القصار: ينجس لتعدي النجاسة محل العفو. الرابع: قال صاحب الطراز: لو لم يذكر الاستجمار حتى فرغ من تيممه قبل الصلاة استجمر، وأعاد التيمم، فإن صلى قبل إعادة التيمم، فلا يجزئه؛ لأن التيمم لا بد أن يتصل بالصلاة، وقد فرقه بإزالة النجو، ويحتمل أن يجزئه كمن تيمم، ثم وطىء نعله على روث، فإنه يمسحه، ويصلي. الكلام على المقاصد: وفيه ستة أبواب: الأول: في موجبات الوضوء، وهي ثلاثة وعشرون موجبا، وهي على قسمين: أسباب، ومظنات لتلك الأسباب. القسم الأول: السبب، والسبب في اللغة: الحبل، ومنه قوله تعالى: (فليمدد بسبب إلى السماء) أي فليمدد بحبل إلى سقف بيته، فإن السقف يسمى سماء أيضا لعلوه، ثم يستعمل في العلل لكون العلة موصلة للمعلول كما يوصل الحبل إلى الماء في البئر، وفي العلم أيضا لكونه موصلا للهداية، ومنه قوله تعالى: (وآتيناه من كل شيء سببا) أي علما يهتدي به. السبب الأول: الفضلة الخارجة من الدبر، وتسمى غائطا، ونجوا، وبرازا، وخلاء، فالغائط أصله المكان المطمئن من الأرض، والنجو جمع نجوة، وهي المكان المرتفع، والبراز بفتح الباء ما بعد عن العمارة من المواضع، ومنه برز الفارس لقرنه، وبرزت الثمرة من أكمامها، والخلاء الموضع الخالي من الناس. ولما كانت الفضلة توضع في الأول ويستتر بها بالثاني ويذهب بسببها للثالث، والرابع استتارا عن أعين الناس سميت بجميع ذلك للملازمة، ومن تسميتها بالرابع قوله عليه السلام: (اتقوا اللاعنين قالوا يا رسول الله، وما اللاعنان قال: الذي يتخلى في طرق الناس، وظلالهم). الثاني: البول. الثالث: الريح الخارج من الدبر خلافا ش في اعتباره الخارج من الذكر، وفرج المرأة، وإن كان نادرا. الرابع: الودي بالذال المعجمة، والمهملة، وسكونها، وتخفيف الياء، وكسرها، وتشديد الياء، ويقال: ودى، وأودى، وهو الماء الأبيض الخارج عقيب البول بغير لذة، والأصل في هذه الأربعة قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) معناه: أو جاء أحدكم من المكان المطمئن، فجعل تعالى الإتيان منه كناية عما يخرج فيه عدولا عن الفحش من القول، والخارج غالبا في ذلك المكان هو هذه الأربعة، فوجب أن تكون أسبابا. الخامس: المذي بالذال المعجمة، وسكونها، وتخفيف الياء، وكسر الذال، وتشديد الياء، ويقال: مذي، وأمذى، وهو الماء الأصفر الخارج مع اللذة القليلة، والأصل فيه ما في الموطأ، وغيره أن علي بن أبي طالب أمر المقداد أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل إذا دنا من أهله، فخرج المذي منه ماذا عليه قال: علي رضي الله عنه، فإن عندي ابنة رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - وإني أستحي أن أسأله قال: المقداد، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: (إذا وجد أحدكم ذلك، فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة). والمراد بالنضح هاهنا الغسل فيجب غسل الذكر قبل الوضوء، وهل يفتقر إلى النية لأنه عبادة لوجوب غسل ما لم تمسه نجاسة، أو لا يفتقر إلى النية لكون الغسل معللا بقطع أصل المذي؟ قولان. السادس: الماء الأبيض يخرج من الحامل، ويعرف بالهادي يجتمع في وعاء له يخرج عند وضع الحمل، أو موجب السقط قال ابن القاسم في العتبية يجب منه الوضوء قال الأبهري في شرح المختصر: لأنه بمنزلة البول. قال صاحب البيان: الأحسن عدم الوجوب لكونه ليس معتادا. السابع: الصفرة، والكدرة من الحيض. قال المازري: هما حيض إن تباعد بينهما، وبين الطهر، وما عقيبه، ومضى من الزمان ما يكون طهرا أوجب الوضوء دون الغسل عند عبد الملك، ووجهه قول أم عطية كنا لا نعد الصفرة، والكدرة بعد الطهر. قال ابن يونس: وتسمى هذه الترية قال صاحب الخصال: وكذلك إذا خرجا عقيب النفاس. الثامن: الحقن الشديد، ويقال: الحاقن لمدافع البول، والحاقب لمدافع الغائط، وكذلك يقال: للفضلتين الحقبة، والحقنة قال في الكتاب: إن صلى وهو يدافع الحدث يعيد بعد الوقت قال ابن بشير: قال الأشياخ: إن منعه ذلك من إتمام الفروض أعاد بعد الوقت، أو من إتمام السنن أعاد في الوقت، وينبغي أن يختلف فيه كما اختلف في متعمد تارك السنن هل يعيد بعد الوقت أم لا، وإن منعه من الفضائل لا يعيد في الوقت، ولا بعده، فمتى كان بحيث يبطل الصلاة أوجب الوضوء، ومتى كان يوجب إعادة الصلاة في الوقت استحب منه الوضوء. التاسع: قال صاحب الخصال: القرقرة الشديدة توجب الوضوء، وينبغي أن يتخرج ذلك على تفضيل ابن بشير. فهذه الموجبات إن خرجت عن العادة، واستغرقت الزمان، فلا يشرع الوضوء منها؛ لأن مقصوده أن يوقع الصلاة بطهارة ليس بعدها حدث، وقد تعذر ذلك، وإن لم تستغرق الزمان، ففيها ثلاث حالات. الأولى: أن يستنكح، ويكثر تكراره فيسقط إيجابه عند مالك - رحمه الله - كما قال في الكتاب خلافا ش، وح لما في السنن: أن رجلا قال للنبي عليه السلام: إن بي الناسور يسيل مني، فقال عليه السلام: (إذا توضأت، فسال من فرقك إلى قدمك فلا وضوء عليك) وقياسا على دم الحيض، فإنه يوجب الغسل، فإن خرج عن العادة لم يوجبه، وهو دم الاستحاضة، وروي عن مالك - رحمه الله - إيجابه، وإن تكرر نظرا لجنسه، وإذا سقط الإيجاب بقي الندب، ومراعاة للجنس، والخلاف. فرعان مرتبان: الأول: قال صاحب الطراز: إذا استحب له الوضوء استحب له غسل فرجه قياسا عليه، وكذلك المستحاضة، وقال سحنون: لا يستحب؛ لأن النجاسة أخف من الحدث بدليل أن صاحب الجرح لا يستحب له غسل اليسير من دمه، ويستحب الوضوء من يسير السلس. الثاني: قال أبو العباس الإبياني: يبدل الخرقة، أو يغسلها عند الصلاة، وقال سحنون: ليس عليه ذلك، وغسل الفرج أهون، فإن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان به سلس البول حين كبر، وما كان يزيد عن الوضوء. الحالة الثانية: أن يكون زمان وجوده أقل، وفي الجواهر: فيجب منه الوضوء عملا بالأصل السالم عن الضرورة، وعند العراقيين لا يجب؛ لأن الله تعالى إنما خاطب عباده بالمعتاد إذ هو غالب التخاطب، وهذا ليس بمعتاد، ويؤكد هذا حمل الألفاظ في التكاليف، والوصايا، والأوقاف، والمعاملات على الغالب بالإجماع. الحالة الثالثة: أن يستوي الحالان، وفي الجواهر: فيجب الوضوء لعدم المشقة، وقيل: لا يجب لخروجه عن العادة. فروع أربعة: الأول: إذا كثر المذي للعزبة، ففي الكتاب: عليه الوضوء لخروجه على وجه الصحة، وقال بعض العراقيين: لا وضوء عليه لخروجه عن العادة. قال صاحب الطراز: والمدار عند ابن حبيب في هذا على وجود اللذة، فإن وجدت وجب الوضوء، وإلا فلا، وهذا يشهد له المني، فإنه إذا كان لطول العزبة بغير لذ لا يوجب غسلا قال: وقال ابن الجلاب والتونسي: إن كان يقدر على النكاح، أو التسري وجب، ولم يفصلا، والأشبه التفصيل، ويلزم ابن الجلاب أن يراعي في سلس البول القدرة على التداوي. الثاني: في الجواهر: إذا لم يجب الوضوء بالسلس هل يسقط حكمه باعتبار غيره حتى يؤم به قولان منشؤهما أن الشرع أسقط اعتباره، فتجوز الإمامة به، والقياس على إمامة المتيمم، وهو محدث بالمتوضئ، وينظر إلى اختصاص السبب المسقط لاعتباره بصاحبه، وهو الضرورة، فلا يثبت الحكم في غير محل العلة بدونها. الثالث: قال: إذا خرج المعتاد الموجب على العادة من غير المخرج، فللمتأخرين في نقض الوضوء به قولان نظرا لجنسه، أو لكون محله غير معتاد، والله تعالى إنما خاطب عباده بالمعتاد. الرابع: قال في المدونة: قال يحيى بن سعيد: إذا كان الناسور يطلع في كل حين، ويرده بيده، فليس عليه إلا غسل يده، فإن كثر ذلك سقط غسل اليد. ويروى بالنون، وهو عربي، وبالباء، وهو عجمي حكاه الزبيدي، وبالباء، وجع المقعدة، وتورمها من داخل، وخروج الثآليل، وبالنون انتفاخ عروقها، وجريان الدم، ومادتها، وقيل: بالباء للمقعدة، وبالنون للأنف الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، فإن النون ينقط أعلاها، والباء أسفلها. قال صاحب الطراز: فعند الشافعي - رحمه الله - يجب الوضوء لمسه دبره هاهنا، وعند حمديس من أصحابنا يفرق بين أن يتكرر، فلا ينقض، أو لا فينقض، وإذا قلنا بعدم النقض، فتنجس اليد؛ لأن بلة الفرج نجسة، وعند من يقول بطهارتها إلحاقا لها بالعرق لخروجها من مسام الجلد تكون اليد طاهرة. العاشر: في التلقين: الردة خلافا ش لقوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك)، ونحوه بعد الرجوع إلى الإسلام لبطلان الوضوء السابق فيصير محدثا. قال المازري: لا يبطل الوضوء. ومستند هذا القول، وهو قول الشافعي - رحمه الله - قوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). تحقيق: القاعدة الأصولية أن المطلق يحمل على المقيد، فتحمل الآية الأولى على الثانية، فلا يحصل الحبوط بمجرد الردة حتى يتصل بها الموت. والجواب لمالك - رحمه الله -: أن الآية رتب فيها أمران، وهما حبوط العمل، والخلود في النار على أمرين، وهما الردة، والوفاة عليها، فجاز أن يكون الأول للأول، والثاني للثاني، فلم يتعين صرف الآية الأولى للثانية لعدم التعارض، ولا يكونان من باب المطلق، والمقيد كما لو قيل: فمن جاهد منكم فيمت، فله الغنيمة، والشهادة. فإن هذا القول حق، وليس الموت شرطا في الغنيمة إجماعا. الحادي عشر: في الجواهر: الشك في الحدث بعد الطهارة في حق غير الموسوس يوجوب الوضوء خلافا ش، وح، وهي رواية ابن القاسم في الكتاب، وروي عنه في غيره الاستصحاب، فأجرى القاضيان أبو الفرج، وأبو الحسن، والأبهري رواية ابن القاسم على ظاهرها، وحملها أبو يعقوب الرازي على الندب، وكذلك إذا شك في الطهارة، والحدث جميعا، أو تيقنهما جميعا، وشك في المتقدم، أو تيقن الحدث، وشك في الطهارة، أو بعضها، وعلم تأخرها، أو شك فيه، أو علم تقدمها، وشك في طرو الحدث. وأما الموسوس: فأطلق ابن شاس - رحمه الله - القول باعتبار أول خواطره لأنه حينئذ في حيز العقلاء، وقال عبد الحق، والتونسي، واللخمي: إذا تيقن الحدث، وشك في الطهارة توضأ، وإن كان موسوسا، وعكسه يعفى عن الموسوس، والفرق استصحاب الأصل السابق. وقال اللخمي: إذا تيقن الطهارة، وشك في الحدث، وهو غير موسوس، ففيه خمسة أقوال: الوجوب، والندب، والتفرقة بين أن يكون في صلاة أم لا، والثلاثة لمالك - رحمه الله -، وعند ابن حبيب الشك في الريح ملغى، وفي البول، والغائط معتبر، وفرق أيضا بين الشك في الزمن الماضي، وبين الشك في الحال في الريح، فقال: في الماضي يجب، وفي الحاضر لا يجب إذا كان مجتمع الحس. قال صاحب الطراز: وهذه التفرقة ظاهر المذهب لما في الترمذي، وأبي داود: (إذا كان أحدكم في المسجد، فوجد ريحا بين ألييه، فلا يخرج حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا) قال الترمذي: حديث صحيح. فروع متناقضة: قال مالك - رحمه الله - فيمن شك في الطهارة: عليه الوضوء، فاعتبر الشك، وقال فيمن شك هل طلق أم لا: لا شيء عليه، فألغى الشك، وفيمن شك هل صلى ثلاثا، أو أربعا يبني على ثلاث، ويسجد بعد السلام، فاعتبر الشك، وقال فيمن شك هل سها أم لا: لا شيء عليه، وألغى الشك، وقال فيمن شك هل رأى هلال رمضان: لا يصوم، فألغاه، ونظائر ذلك كثيرة في المذهب، والشريعة، فعلى الفقيه أن يعلم السر في ذلك. قاعدة: الأصل ألا يعتبر في الشرع إلا العلم لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) لعدم الخطأ فيه قطعا لكن تعذر العلم في أكثر الصور، فجوز الشرع اتباع الظنون لندرة خطئها، وغلبة إصابتها، وبقي الشك على مقتضى الأصل، فكل مشكوك فيه ليس بمعتبر، ويجب اعتبار الأصل السابق على الشك، فإن شككنا في السبب لم نرتب المسبب، أو في الشرط لم نرتب المشروط، أو في المانع لم ننف الحكم، فهذه القاعدة مجمع عليها لا تنتقض. وإنما وقع الخلاف بين العلماء في وجه استعمالها، فالشافعي - رحمه الله - يقول: الطهارة متيقنة، والمشكوك فيه ملغى، فنستصحبها، مالك - رحمه الله - يقول: شغل الذمة بالصلاة متيقن يحتاج إلى سبب مبرىء، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فيقع الشك في الصلاة الواقعة بالطهارة المشكوك فيها، وهي السبب المبرىء، والمشكوك فيه ملغى فيستصحب شغل الذمة. وكذلك: إذا شك في عدد صلواته، فقد شك في السبب المبرىء فيستصحب شغل الذمة حتى يأتي المكلف بسبب مبرىء، وكذلك العصمة متيقنة، والشك في السبب الواقع فيستصحبها، وكذلك يجب على الفقيه تخريج، فروع هذه القاعدة. تتميم: قد يكون الشك نفسه سببا كما يجب السجود بعد السلام على الشك، فالسبب هاهنا معلوم، وهو الشك، فإن الشاك يقطع بأنه شاك، والذي انعقد الإجماع على إلغائه هو المشكوك فيه لا الشك، فلا يلتبس عليك ذلك. فرع: قال صاحب الطراز: إذا صلى شاكا في الطهارة، ثم تذكرها قال مالك: صلاته تامة؛ لأن الشرط الطهارة، وهي حاصلة في نفس الأمر سواء علمت أم لا، وقال الأشهب، وسحنون: هي باطلة لأنه غير عامل على قصد الصحة. الثاني عشر: المني يخرج بعد الغسل قال مالك - رحمه الله -: ليس فيه إلا الوضوء، وقال صاحب الطراز: أوجب سحنون مرة به الغسل، ومرة الوضوء، وقال في الجواهر: في وجوبه يعني الوضوء قولان الوجوب للبغداديين، واستحسنه ابن الجلاب، وهو ملحق بدم الاستحاضة الذي ورد الحديث فيه بجامع إيجاب حيضها للغسل، فكما أوجب أحدهما الوضوء حالة قصوره عن الغسل يوجب الآخر. الثالث عشر: دم الاستحاضة: يستحب منه الوضوء عند مالك - رحمه الله - خلافا ش، وح، وقال ابن أبي زيد في الرسالة: يجب منه الوضوء، وفي الموطأ أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عليه السلام: (لتنظر إلى عدد الليالي، والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك، فلتغتسل، ولتستتر بثوب، ثم لتصل). قال أبو داود: زاد عروة، ثم تتوضأ لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت. قال صاحب الطراز: ويدل على عدم وجوبه اتفاق الجميع على أنه خرج في الصلاة أكملتها، وأجزأت عنها قال: والفرق بينه، وبين المني الخارج بعد الغسل على أحد القولين لزوم الخروج بخلاف المني، وإنما بابه سلس البول لاشتراكهما في المرض، ولو خرجت فضلة المني في الصلاة أبطلتها اتفاقا بخلاف سلسه، ودم الاستحاضة. الرابع عشر: رفض النية: كما إذا عزم على النوم، فلم ينم. قال صاحب الطراز: ظاهر الكتاب يقتضي عدم الوجوب لقوله فيمن وطئ زوجته بين فخذيها لا غسل عليهما إلا أن ينزلا، وفي مختصر ابن شعبان أنه يتوضأ. وجه الأول: أن المقصود من النية تخصيص العمل لله تعالى، وقد حصل ذلك، والثاني: مبني على أن النية كجزء الطهارة، وذهاب الجزء يقتضي ذهاب الحقيقة المركبة، ولأن العزم على منافي الطهارة ينافي النية الفعلية، فأولى أن ينافي الحكمية. الخامس عشر: رؤية الماء بعد التيمم، وقبل الصلاة يوجب استعماله، وبطلان الإباحة السابقة؛ لأن الإقدام على الصلاة بالتيمم مشروط بدوام عدم الماء إلى الشروع فيها على ما يأتي تقريره في باب التيمم إن شاء الله تعالى. القسم الثاني: مظنات الأسباب: والمظنة في اللغة، واصطلاح العلماء التي يوجد عندها الظن من باب مقتل، ومضرب الذي هو القتل، والضرب، فجعله مكان الظن مجاز، وهي ثمان: المظنة الأولى: مس الذكر بباطن الكف عند مالك، وبباطن الأصابع أيضا عند ابن القاسم كما حكاه في الكتاب يوجب الوضوء خلافا ح لما في الموطأ عنه عليه السلام أنه قال: (إذا مس أحدكم ذكره، فليتوضأ). وقال أشهب: باطن الأصابع لا يوجب وضوءا، ووجه تخصيص باطن الكف، والأصابع؛ لأن العادة أن اللمس يكون بهما، ولأن فيهما من اللطف، والحرارة المحركين للمذي ما ليس في غيرهما، ولأن الأصابع أصل اليد بدليل تكميل العقل فيهما، ووجه قول أشهب أن الأصابع أقل حرارة، ولطفا من باطن الكف، فلا تلحق به. ولا يشترط اللذة عند المغاربة، وبعض البغدادين، وتشترط عند العراقيين قياسا على لمس النساء، ولحديث طلق قال: قدمنا على سول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ، فقال: (هل هو إلا بضعة منك) رواه أبو داود، فقال العراقيون: يجمع بين الأحاديث بوجود اللذة، وعدمها، وعند جميع المغاربة بتعيين الكف، والأصابع للوجوب، وقالوا طلق من المرجئة فيسقط حديثه، فلا حاجة إلى الجمع، وقال مالك في العتبية: لا يجب من مسه وضوء كما قاله أبو حنيفة، وأورد الحنفية على حديث بسرة عشرة أسئلة: أحدها: أن راويه عنها مروان بن الحكم، وهو كان يحدث في زمانه مناكير، ولذلك لم يقبل طلحة منه الرواية، وقال: لا أعرفه. وثانيها: أنه أرسل رجلا من الشرط لينقل له ما أنكره عليه طلحة، والرجل مجهول. وثالثها: أن ربيعة شيخ مالك - رحمه الله - قال: لو شهدت بسرة في بقلة ما قبلتها. ورابعها: رواية ابن وهب عن مالك - رحمه الله - أن الوضوء من مس الذكر سنة، فكيف يصح عنده هذا الحديث، ثم يستجيز هذا القول. وخامسها: قول ابن معين: لم يصح في مس الذكر حديث. وسادسها: أن الرجل أولى بنقله من بسرة. وسابعها: أنه مما تعم به البلوى فينبغي أن ينقل مستفيضا، ولما لم يكن كذلك دل على ضعفه. وثامنها: إنكار أكابر الصحابة رضي الله عنهم لحكمه كعلي، وابن مسعود فيقول علي: ما أبالي مسسته، أو مسست طرف أنفي، ويقول ابن مسعود: إن كان شيء منك نجسا، فاقطعه. وتاسعها: سلمنا صحته لكن نحمله على غسل اليد لأنهم كانوا يستجمرون، ثم يعرقون، ثم يؤمر من مس موضع الحدث بالوضوء الذي هو النظافة. وعاشرها: أنه معارض بحديث طلق، والقياس على سائر الأعضاء. والجواب عن الأول: أن مروان كان عدلا، ولذلك كانت الصحابة تأتم به، وتغشى طعامه، وما فعل شيئا إلا عن اجتهاد، وإنكار عروة لعدم اطلاعه. وعن الثاني: أن الرجل معلوم عند عروة، وإلا لما حسنت إقامة الحجة عليه به، وقد روي أن عروة سمعه بعد ذلك منها. وعن الثالث: أن عدم استقلال المرأة في الشهادة لا يدل على عدم قبول روايتها، وإلا لما قبلت رواية عائشة رضي الله عنها. وعن الرابع: أنه لم يطعن في الصحة، وإنما تردد في دلالة اللفظ هل هي للوجوب، أو الندب. وعن الخامس: أنه إذا لم يصح عنده، فقد صح عند غيره. وعن السادس والسابع: أن الخبر رواه نحو خمسة عشر من الرجال، والنساء. وعن الثامن: أن الحديث لم يثبت عندهم، وثبت عند غيرهم، ولا يجب في الصحابي أن يطلع على سائر الأحاديث. وعن التاسع: أن لفظ الشارع إذا ورد حمل على عرفه حتى يرد خلافه. وعن العاشر: أن حديث طلق لا يصح، والقياس قبالة النص فاسد قال صاحب الاستذكار: الذي تقرر عند المغاربة أن من مس ذكره أمر بالوضوء ما لم يصل، فإن صلى أمر بالإعادة في الوقت، وكذلك قاله ابن القاسم، وابن نافع، وأشهب، وقال سحنون، والعتبي: لا يعيد مطلقا قال اللخمي: الإعادة مطلقا رواية المدنيين عن مالك، وقال ابن حبيب: العامد يعيد مطلقا، والناسي في الوقت، وقال سحنون أيضا: يعيد في اليومين، والثلاث. واختلفوا في مسه ناسيا، أو على ثوب خفيف، أو بذراعه، أو بظاهر كفه، أو قصد إلى مسه بشيء من أعضائه سوى يده. وتحصيل المذهب عند أكثر المغاربة: أن مسه بباطن الكف، والأصابع دون حائل ينقض الوضوء، وغير ذلك لا ينقضه. في الجواهر: قال القاضي أبو الحسن: العمل من الروايات على وجوب الوضوء منه من فوق ثوب، أو من تحته، وروي عن مالك - رحمه الله - الوجوب من فوق الغلالة الخفيفة. فروع ثمانية: الأول: من الطراز: إذا مسه بين أصبعيه، أو بحرف كفه، أو بأصبع زائدة انتقض على ظاهر قول ابن القاسم، وفي الأصبع الزائدة خلاف، والقياس على سائر الأحداث يقتضي أن القصد لا يشترط، وكذلك عموم الحديث. الثاني: في الجواهر: لو مس ذكره بعد قطعه لم ينتقض وضوءه لأنه صار ليس بذكر له، والحديث إنما ورد في ذكره، ولذهاب اللذة منه، ولأن المرأة لو استدخلته لم يجب على صاحبه غسل. الثالث: قال: لا ينتقض وضوء الختان بذكر المختون، ولا بذكر الغير خلافا ش لأنه ليس ذكرا له. الرابع: قال: لا وضوء على المرأة من مس فرجها قاله في الكتاب؛ لأن فرجها ليس بذكر فيتناوله الحديث، وروي عنه أن عليها الوضوء لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من أفضى بيده إلى فرجه، فليتوضأ). وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قال عليه السلام: (ويل للذين يمسون فروجهم، ثم يصلون، ولا يتوضئون، فقلت بأبي أنت، وأمي يا رسول الله هذا للرجال، فما بال النساء، فقال عليه السلام: إذا مست إحداكن فرجها، فلتتوضأ) وروي عنه التفرقة بين أن تلطف، وبين ألا تلطف فيجب الوضوء من الأول لوجود اللذة، وسأل ابن أبي أويس مالكا عن الإلطاف، فقال: أن تدخل يدها بين شفريها. واختلف المتأخرون في بقاء هذه الروايات على ظاهرها، أو جعل التفصيل تفسيرا للإطلاقين، أو جعل المذهب على قولين النقض مطلقا، أو التفصيل ثلاث طرق. الخامس: قال: لا ينتقض الوضوء بمس الدبر، وانفرد حمد يس بإيجاب مس حلقة الدبر للوضوء تخريجا على إيجاب مس المرأة لفرجها، وعلى القول الآخر لا يوجبه. السادس: قال: مس الخنثى المشكل فرجه قال الإمام أبو عبد الله: يتخرج على القولين فيمن أيقن الطهارة، وشك في الحدث على مذهب المغاربة، وعلى مذهب البغداديين في مراعاة اللذة، ففي أي فرج اعتاد وجودها أوجب الوضوء. السابع: لا ينتقض وضوء من مس ذكر غيره، وقال الأيلي البصري من أصحابنا: ينتقض. الثامن: قال عبد الحق في تهذيبه: قال أشهب: من صلى خلف من لا يرى الوضوء من الملامسة أعاد أبدا، ومن صلى خلف من لا يرى الوضوء من مس الذكر لم يعد؛ لأن الوضوء من الملامسة ثابت بالقرآن المتواتر، ومن مس الذكر بأخبار الآحاد، وقال سحنون: يعيدان جميعا في الوقت. المظنة الثانية: الملامسة قال في الكتاب: مس أحد الزوجين صاحبه للذة من فوق ثوب، أو من تحته، أو قبلة في غير الفم يوجب الوضوء خلافا ح في اشتراطه التجرد، والتعانق، والتقاء الفرجين مع الانتشار، ولمنع محمد بن الحسن إيجاب الملامسة مطلقا، وخلافا ش في عدم اشتراط اللذة مع نقضه أصله بذوات المحارم لنا قوله تعالى: (أو لامستم النساء) وفي اشتراط اللذة ما في مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. وفي الموطأ عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كنت نائمة إلى جنب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل، فلمسته بيدي فوقعت على أخمص قدميه، الحديث. تمسك الحنفية بأن هذا حكم تعم به البلوى، ولم ينقل عنه عليه السلام أنه قال: من لمس زوجته انتقض وضوءه بل نقل عنه عليه السلام أنه كان يقبل بعض زوجاته، ولا يتوضأ نقله أبو داود، والترمذي عن عائشة رضي الله عنها، وقد قال ابن عباس: الإفضاء، والتغشي، والرفث، والملامسة في كتاب الله تعالى كنايات عن الوطء، ولأن السبب في الحقيقة إنما هو المذي، ويمكن الوقوف عليه، فلا حاجة إلى اعتبار مظنة له. والجواب عن الأول: أن تمسكهم بعموم البلوى هنا، وفي مسألة الوضوء من مس الذكر بناء على أن كل ما تعم به البلوى يجب اشتهاره، وإلا فهو غير مقبول؛ لأن ما تعم به البلوى يكثر السؤال فيه فيكثر الجواب عنه فيشتهر، وهم نقضوا هذه القاعدة بإيجاب الوضوء من الحجامة، والدم السائل من الجسد، وغيرهما، وقد كان عليه السلام يتلو طول عمره،(أو لامستم النساء) وهو مقطوع به متواتر. وعن الثاني: أن الحديث غير صحيح طعن فيه الترمذي، وأبو داود، وقال الدارقطني: هذه اللفظة لا تحفظ، وإنما المحفوظ كان يقبل، وهو صائم. وعن الثالث: أن قوله مدفوع بقول عائشة، وعبد الله بن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهم أن القبلة توجب الوضوء. وعن الرابع: أن مظنة الشيء تعطي حكم ذلك الشيء، وإن أمكن الوقوف عليه كالتقاء الختانين مظنة الإنزال أعطي حكمه، والنوم مظنة الحدث، وأعطي حكمه مع إمكان الوقوف عليه، وعلى رأيهم المباشرة مع التجرد، وما معه مظنة أيضا. ولا فرق عندنا بين أن يكون الملموس عضوا، أو شعرا من زوجة، أو أجنبية، أو محرم، وبين قليل المباشرة، وغيرها، وبين اليد، والفم، وسائر الأعضاء إذا وجدت اللذة في جميع ذلك. فروع ثمانية: الأول: في الجواهر: القبلة في الفم لا يشترط فيها اللذة لأنها لا تنفك عنها غالبا، فأقيمت المظنة مقامها، وإن لم يعلم وجودها كالمشقة في السفر لا نعتبرها مع وجود مظنتها، وهي المسافة المحدودة لها، وروي عنه اعتبارها. قال الباجي: وعليه أكثر الأصحاب، والأول ظاهر الكتاب. الثاني: إذا وجد الملامس اللذة، ولم يقصدها، أو قصدها، ولم يجدها، فعليه الوضوء على المنصوص أما الأول: فلوجود اللذة، وهي السبب، وأما الثاني: قال صاحب الطراز: قال ابن القاسم: لأن القلب التذ لأجل قصده لذلك، وهذا لا يستقيم؛ لأن السبب هو اللذة لا إرادة اللذة ألا ترى أنه لا وضوء عليه إذا قصد مسها من فوق حائل كثيف. قال اللخمي: هذا يتخرج على رفض الطهارة. واستقرأ بعض المتأخرين عدم النقض هنا في مسألة الرفض، وتعب بالفرق بمقارنة الفعل. الثالث: قال صاحب الطراز: إذا كان اللمس من وراء حائل خفيف يصل بشرتها إلى بشرته وجب الوضوء خلافا ش لوجود اللذة، وإن كان كثيفا قال مالك - رحمه الله - في العتبية، والمجموعة: لا وضوء عليه، وقاله ابن القاسم، وسحنون، وابن حبيب فيحمل قوله في الكتاب على هذا دفعا للتناقض قال اللخمي: أما إذا ضمها استوى الخفيف، والكثيف. الرابع: في الجواهر: الملموس إذا وجد اللذة توضأ خلافا ش في أحد قوليه ؛ لأن الله تعالى إنما خاطب اللامس بقوله: (أو لامستم النساء) لاشتراكهما في اللذة فيشتركان في موجبها كالتقاء الختانين، وإن لم يجد الملموس لذة فلا وضوء عليه إلا أن يقصد فيكون لامسا في الحكم. الخامس: قال: لو نظر فالتذ بمداومة النظر، ولم ينتشر ذلك منه، فلا وضوء عليه لعدم السبب الذي هو الملامسة، وقال ابن بكير: يؤثر. السادس: الإنعاظ. قال صاحب الطراز: قال مالك - رحمه الله -: لا شيء عليه؛ لأن العادة فيه غير منضبطة فيهمل بخلاف اللمس، فإن غالبه المذي. قال اللخمي: قيل: عليه الوضوء؛ لأن غالبه المذي، وأرى أن يحمل على عادته، فإن اختلفت عادته توضأ أيضا، وإن أنعظ في الصلاة، وعادته عدم المذي مضي عليها، وإلا قطع إلا أن يكون ذلك الإنعاظ ليس بالبين، فإن كان شأنه المذي بعد زوال الإنعاظ، وأمن ذلك في الصلاة أتمها، فإن تبين أن ذلك كان قبل، قضى الصلاة، وإن أشكل عليه جرى على الخلاف. السابع: قال صاحب الطراز: يجب الوضوء من مس ظفر الزوج، والسن، والشعر إذا التذ خلافا ش، ولم يره مالك في العتبية في الشعر. والعجب من الشافعي - رحمه الله - أنه نقض الوضوء بمس أذن الميتة، ولم ينقضه بمس أظفار أنامل الحية مع قوله إن شعر الميتة نجس، وإن لم يكن حيا؛ لأن كل متصل بالحية، فهو على حكمها، فما باله هنا لا يكون على حكمها لا سيما وهو لا يراعي اللذة، وقد اتفقنا على أنه إذا قال: إن مسست امرأتي، فهي طالق، أو عبدي، فهو حر، فمس ظفرهما طلقت، وعتق العبد. قاعدة أصولية يتخرج عليها فروع هذا الباب، وغيره. وهي: أن الشرع إذا نصب سببا لحكم لأجل حكمة اشتمل عليها ذلك السبب هل يجوز التعليل بتلك الحكمة لأنها سبب جعل السبب سببا، والأصل متقدم على الفرع أو لا يجوز ذلك، وهو الصحيح عند العلماء؛ لأن حكمة جعل السرقة سبب القطع صون الأموال، وحكمة جعل الإحصان مع الزنا سبب الرجم صون الأنساب، وحكمة جعل المسافة المعينة في السفر سبب القصر المشقة، ونظائر ذلك كثيرة جدا مع انعقاد الإجماع على منع ترتيب أحكام هذه الأسباب بدونها، وإن وجدت الحكم، فكذلك هنا جعل الله تعالى اللمس سببا للوضوء لاشتماله على اللذة، فهل يجوز اتباع اللذة على الإطلاق كما في التذكر، والإنعاظ أو لا يراعي ذلك على الإطلاق حتى لا يوجب الوضوء من وراء حائل، وإن رق، أو يتوسط بين الرتبتين، وهو ظاهر المذهب. تمهيد: يظهر منه مذهب مالك - رحمه الله - على الشافعية، والحنفية. أما الحنفية: فلأن الله تعالى عطف الملامسة على المجيء من الغائط، والذي يفعل في الغائط لا يوجب غسلا، فتحمل على ما لا يوجب غسلا تسوية بين المعطوف، والمعطوف عليه، ولأن الله تعالى قال: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) فلو كان المراد بالملامسة الجماع لزم التكرار، ويؤكد ذلك ما قاله صاحب الصحاح إن اللمس اللمس باليد يقال: لمسه يلمسه بضم الميم في المضارع، وبكسرها. وأما الشافعية، فلأن أئمة اللغة قالوا: اللمس الطلب، ومن ذلك قوله عليه السلام (التمس، ولو خاتما من حديد). وقوله تعالى حكاية عن الجان: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا) أي طلبناها. ولما كانت النساء تلمس طلبا للذة قال الله تعالى: (أو لامستم النساء)، والأصل في الاستعمال الحقيقة فيكون هذا نصا على إبطال مذهب الشافعية، والحنفية، وعلى اشتراط اللذة، والطلب. المظنة الثالثة: النوم: وليس حدثا في نفسه، ونقل صاحب الطراز عن ابن القاسم قولا أنه حدث، وإذا فرعنا على المذهب، فهو يوجب الوضوء لكونه مظنة الريح لقوله عليه السلام: (العينان وكاء السه، فإذا نامت العينان انفتح الوكاء) على أن أبا عمر قال في التمهيد: هذا حديث ضعيف لا يحتج به إلا أن معناه معلوم بالعادة، وجرت عادة الفقهاء بذكره، فذكرته. والوكاء الخيط الذي يربط به الشيء، والسه أصله العجز، ويقولون رجل سته، وامرأة ستهاء إذا كان الرجل، أو المرأة كبيرة العجز، ثم يستعمل مجازا في حلقة الدبر، وهو المراد هاهنا، وأصل اللفظة سته مثل قلم، فحذفت التاء التي هي عين الكلمة، فبقي سه، ويروى بحذف لام الكلمة التي هي الهاء، وإثبات العين التي هي التاء. فشبه عليه السلام الإنسان بزق مفتوح لا يمنع خروج الريح منه إلا الحواس، وذهابها بمنزلة ذهاب الخيط الذي يشد به الزق. وقد اختلف الأصحاب في النوم الذي هو مظنة، فضبطه اللخمي، وغيره بالزمان، وكيفية النوم، فقال: طويل ثقيل ناقض بلا خلاف في المذهب، وقصير خفيف غير ناقض على المعروف منه، وخفيف طويل يستحب منه الوضوء، وثقيل قصير فيه قولان. وضبطه أبو محمد عبد الحميد بهيئة النائم، فإن كان يتهيأ منه الخروج مع الطول نقض كالراقد، وعكسه كالقائم والمحتبي لا ينقض، وإن كان الطول فقط كالحالتين مستندا، وعكسه كالراكع، ففيهما قولان، وهذا الضبط أشبه بروايات الكتاب، ومقصود الجميع مظنة الخروج، فإن كان بحيث لو خرج لم يشعر به انتقض، وعكسه لا ينتقض، وإن استوى الأمران، فهو كالشاك في انتقاض وضوئه. وهذا الكلام على النوم من حيث الجملة، فلنتكلم عليه من حيث التفصيل، فنقول: للنائم إحدى عشرة حالة: الأولى: الساجد قال في المدونة: يجب منه الوضوء إذا استثقل خلافا ح لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية قال زيد بن أسلم: معناه قمتم من المضاجع، فجعل النوم سببا، واختار هذا التفسير مالك - رحمه الله - وجماعة من أصحابنا؛ لأن الله تعالى لم يذكر النوم في نواقض الوضوء، فوجب حمل هذا عليه . وقال غيره: إذا أردتم القيام للصلاة محدثين على أي حالة كنتم، لما في أبي داود لما قيل له عليه السلام: صليت، وقد نمت، فقال عليه السلام: (تنام عيني، ولا ينام قلبي) فلو كان نوم القلب لا يؤثر في الوضوء لم يكن لهذا الكلام معنى. الثانية: الراكع إذا استثقل نوما وجب عليه الوضوء خلافاً ح لما سبق. الثالثة: المضطجع. قال صاحب الطراز: راعى مالك في المجموعة الاستثقال في الاضطجاع، ولم يره القاضي في التلقين هاهنا، ولا في السجود. الرابعة، والخامسة: الراكب، والجالس قال في الكتاب: إذا استثقل، وطال أوجب الوضوء، وإلا فلا قال: وبين العشائين طويل خلافا ش، وح. قال صاحب الطراز: قال ابن حبيب: لا وضوء على الراكب، والراكع، والجالس إن كان غير مستند، ومراعاة الشافعية انضمام المخرج من الجالس في عدم الإيجاب ليس بشيء لأنه إذا ضعفت القوة الماسكة، وانصب الريح إلى المخرج لم يمنعه الانضمام، فإن الريح ألطف من الماء، والماء لا ينضبط بسبب الضم، فالريح أولى بذلك. السادسة: المحتبي قال في الكتاب: لا وضوء عليه لأنه لا يثبت لو استثقل بخلاف الجالس. قال صاحب الطراز: فرق مالك - رحمه الله - في العتبية بين من نام قاعدا، وطال في انتظار الصلاة، وبين من لا ينتظرها، وقيل له وبما رأى الرؤيا قال: ذلك أحلام؛ لأن منتظر الصلاة لا يمكن نفسه من كمال النوم بخلاف غيره، وهو ضرورة تحصل للناس في انتظار الصلاة، والحلم قد يكون حديث النفس، ولأنه إنما يحصل مع خفة النوم، ولذلك تكثر الرؤيا آخر الليل بعد أخذ النهمة من النوم. فرع: قال صاحب الطراز: إذا سقط المحتبي قال ابن الصباغ من أصحاب الشافعي: إذا زالت أليتاه، أو إحداهما قبل انتباهه انتقضت طهارته، وإن انتبه لزوالهما لم تنتقض قال: وهذا حسن. قال صاحب التنبيهات: المحتبي هو الجالس قائم الركبتين جامعا يديه على ركبتيه بالتشبيك، والمسك. السابعة: المستند قال القاضي في الإشراف: هو عند مالك - رحمه الله - كالجالس؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينتظرون الصلاة، ولا يعرون عن النوم، والاستناد قال ابن حبيب: هو كالمضطجع لأنه باستناده خرج عن هيئة الجلوس معتمد الأعضاء منحلها. قال صاحب الطراز: وهذا أحسن. الثامنه: القائم. التاسعة: الماشي. العاشرة: المستند القائم: قال صاحب القبس: ما استثقل نوما في هذه الحالات، فعليه الوضوء، وإلا فلا. الحادية عشرة: إذا استثفر، وارتبط، ثم نام قال الطرطوشي: الذي يأتي على المذهب أن لا وضوء عليه. فائدة: الفرق بين السنة، والغفوة، والنوم أن الأبخرة متصاعدة على الدوام في الجسد إلى الدماغ، فمتى صادفت منه فتورا، أو إعياء استولت عليه، وهو معدن الحس، والحركة فيحصل فيه فتور، وهو السنة، فإن عم الاستيلاء حاسة البصر، فهو غفوة، وإن عم جميع الجسد، فهو نوم مستثقل. والأولان لا وضوء فيهما لما في مسلم كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ينامون، ثم يصلون، ولا يتوضئون، ومنه أيضا اعتم النبي عليه السلام ذات ليلة بالعشاء حتى رقد الناس، واستيقظوا، ورقدوا، واستيقظوا، فقام عمر رضي الله عنه، وقال: الصلاة، والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة، وقال أبو حنيفة - رحمه الله -: من نام على هيئة من هيئات الصلاة اختيارا مثل الراكع، والقائم، والساجد، والجالس فلا وضوء عليه، وإنما الوضوء على المضطجع، والمائل، والمستند محتجا بما يروى في الترمذي، وأبي داود عنه عليه السلام أنه نام، وهو ساجد حتى غط، ونفخ، ثم قام يصلي قال ابن عباس: فقلت يا رسول الله: إنك قد نمت، فقال: إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله. وضعفه أبو داود، وأنكره. المظنة الرابعة: الخنق من الجن قال في الكتاب: يوجب الوضوء دون الغسل سواء كان قائما، أو قاعدا لشدة استيلائه على الحواس، فلا يفرق بين حالاته، وقال ابن حبيب: يوجب الغسل إن دام يوما، أو أياما قال الشافعي - رحمه الله -: قيل: ما جن إنسان إلا أنزل. المظنة الخامسة: الإغماء يوجب الوضوء لما سلف قاله في الكتاب. المظنة السادسة: ذهاب العقل بالجنون لا بالجن قال في الكتاب: عليه الوضوء. المظنة السابعة: السكر قال في الكتاب: يوجب الوضوء، فإن النصوص الموجبة للوضوء من النوم توجبه بطريق الأولى؛ لأن هؤلاء لو ردوا لإحساسهم لم يرجعوا بخلاف النائم. المظنة الثامنة: الهم المذهب للعقل بغلبته. قال صاحب الطراز: قال مالك في المجموعة: عليه الوضوء قيل له هو قاعد قال: أحب أن يتوضأ قال: يحتمل الاستحباب أن يكون خاصا بالقاعد بخلاف المضطجع لتمكنه من الأرض، ويحتمل أن يكون عاما فيهما، فهذه ثلاثة وعشرون موجبا للوضوء عندنا. تزييل: وقع بيني وبين بعض فضلاء الشافعية خلاف هل هذه الأمور نواقض للطهارة، أو موجبات للوضوء، والتزمت أنها موجبات. وينبني على الخلاف من لم يحدث قط، ثم أراد الصلاة، فإنه مأمور بالوضوء إجماعا، ويبقى الخلاف في مدرك هذا الوجوب، فإنا قلنا إن هذه الأمور موجبة، فسبب هذا الأمر ما تقدم منه من الإحداث، وإن قلنا إنها ليست موجبة بل ناقضة للطهارة، فلا عبرة بما تقدم من إحداثه لأنها لم ترد على طهارة، فتنقضها، ويجب الوضوء لكونه شرطا في الصلاة كستر العورة، واستقبال القبلة. وأكثر عبارات أصحابنا أنها موجبة للوضوء، ومنهم من يقول إنها ناقضة للطهارة، وجمع القاضي في التلقين بينهما. فقال: باب ما يوجب الوضوء، وينقضه بعد صحته، والخلاف يرجع إلى مدرك الحكم لا الحكم.
|